تدخّل فرنسا في ليبيا: تهديدات لا تخفي طموحات أفريقيّة

تدخّل فرنسا في ليبيا: تهديدات لا تخفي طموحات أفريقيّة

14 سبتمبر 2014
تصريحات لودريان تثير الجدل في الساحة الليبية(حازم تركية/فرانس برس)
+ الخط -
أثار سعي وزير الدفاع الفرنسي، جان إيف لودريان، يوم الثلاثاء الماضي، للحصول على دعم من الأوروبيين من أجل التحرّك المشترك لمواجهة "ميليشيات المتطرّفين" في ليبيا، خصوصاً في المناطق الجنوبيّة، الكثير من الجدل في الأوساط الليبيّة. وأعرب الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني العام، عمر حميدان، عن رفض المؤتمر التدخّل العسكري في ليبيا، وهو ما كان أعلنه في بيانات وتصريحات سابقة. وأوضح أنّ ما يحدث هو شأن ليبي داخلي، يمكن التفاوض والحوار عليه من قبل الفرقاء، داعياً المجتمع الدولي إلى دعم ذلك.

في المقابل، جدّد رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد بطبرق، عقيلة صالح، مطالبة المجتمع الدولي بالتدخّل لحماية المدنيين في ليبيا، متعهداً مقاومة كل مَن تمرّد على أوامر رئاسة الأركان.

يبدو المشهد الليبي بين دعوتين متناقضتين، الأولى ترفض التدخل الأجنبي، سواء كان ميدانياً أو بتوجيه ضربات جويّة، ويمثّلها المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، وقوات "فجر ليبيا" بطرابلس، وما يُعرف بمجلس "شورى الثوار" ببنغازي، وجماعة "الإخوان المسلمين" وجناحها السياسي حزب "العدالة والبناء"، وبعض مدن الغرب الليبي، الرافضة لمنطق الانقلابات العسكرية، كمصراتة والزاوية وغريان.

وفي الجناح الآخر، يطالب مجلس النواب وحكومة عبد الله الثني المستقيلة، وحزب تحالف القوى الوطنية، بقيادة محمود جبريل، ومؤيدو اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، الذي أطلق ما يُعرف بـ"عملية الكرامة"، وبعض مدن الشرق، كمدينة طبرق والمرج، بضرورة التدخّل الأجنبي لردع ما يسمّونه خطر الإرهاب وتحلّل مؤسسات الدولة.

وليس من السهل، وفق محللين، التدخل العسكري في ليبيا، براً أو توجيه ضربات جويّة، فقد سبق لحفتر أن استعمل الطائرات الحربيّة في بنغازي ضدّ قوات مجلس "شورى ثوار بنغازي"، لكنّه فشل في هزيمتهم، وهو الآن يدافع عن آخر موقعين خاضعين لسيطرته، وهما قاعدة بنينا الجويّة ومعسكر الرجمة على تخوم بنغازي.

وعلى الصعيد الدولي، فشلت الضربة الجويّة المشتركة، الإماراتيّة والمصرية، بحسب محللين أيضاً، في ردع قوات "فجر ليبيا" في طرابلس، حتى أنّها حقّقت انتصارها النهائي على كتائب "القعقاع" و"الصواعق" و"المدني" بعد قصف مواقعها بأيام قليلة.

ويرجع سبب فشل الضربات الجوية في تحقيق أهدافها، بحسب عسكريين، إلى تمترس المقاتلين في المدن، وهو ما يصعب معه قصفها بسبب الخشية من سقوط ضحايا من المدنيين بأعداد هائلة، إضافة إلى عدم تمركزهم في معسكرات أو قواعد عسكريّة بعيدة عن المدن. ويجعل انتشارهم، على شكل مجموعات صغيرة، القضاء عليهم بضربات جوية محدودة، شبه مستحيل.

ويؤكد بعض العسكريين أنّه لا يمكن لأي دولة أن تغامر بإنزال قوات بريّة على الأرض، كون المقاتلين الليبيين، سواء المتشددين منهم أو الرافضين لعملية "الكرامة" بشكل عام، حازوا على خبرات قتالية ميدانية عالية، منذ اندلاع الثورة الليبية، وغداة مشاركتهم بعدة حروب داخل المدن وخارجها، إضافة إلى انتشار ترسانة كبيرة من مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والذخائر، لم تقض عليها ما مرّت به ليبيا من صراعات مسلّحة، منذ اندلاع ثورتها.

ويعتقد محللون أنّ تلميحات لودريان التي قال فيها، في مقابلة صحفية، "يجب أن نتدخل في ليبيا ونحرّك المجتمع الدولي لذلك"، هي عبارة عن رسالة موجهة إلى الداخل الفرنسي والخارج، حول تماسك الحكومة وفاعليتها وقدرتها على التحرك الدولي، في أكثر القضايا تعقيداً، وفي مقدمتها أزمة ليبيا، بينما يعتبر آخرون أن فرنسا لم تستطع أن تنسى إرثها الاستعماري القديم بالجنوب الليبي، "إقليم فزان"، والذي كانت تسيطر عليه بعد الحرب العالمية الثانية، وهي ترغب بالعودة إلى العمق الأفريقي من خلال البوابة الليبيّة، وخصوصاً أنّ الجنوب الليبي واعد، بعد الاكتشافات النفطية الحديثة والهائلة فيه.

ويؤكد المراقبون أن التدخّل العسكري في ليبيا سيكون صعباً، إضافة الى عدم نجاعته تقنياً وعسكرياً، كما أنّ التجربة الفرنسيّة في مالي، لا يمكن استنساخها في ليبيا، لاختلاف ظروف الجغرافيا وطبيعة المقاتلين ونوعيّة تسليحهم.