تحوّلات جبهة حلب على ضوء هجمات "التحالف"

تحوّلات جبهة حلب على ضوء هجمات "التحالف"

27 سبتمبر 2014
النظام يستهدف الأحياء السكنية بصواريخ "فيل" (فادي الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
يغيب طيران النظام السوري بشكل شبه كلي عن سماء مدينة حلب وريفها منذ انطلاق الغارات الجوية التي يشنها طيران التحالف الدولي على مقرات وحواجز ونقاط تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة" شمال وشرق سورية.

توقفت حملة القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة، التي تشنّها مروحيات النظام السوري، منذ أكثر من عشرة أشهر بشكل متواصل على مختلف أحياء مدينة حلب الشمالية، الشرقية والجنوبية وبلدات الريف الشمالي والغربي، مستهدفةً كتائب الثوار المتمركزة هناك.

لكّن قوات النظام استعاضت عن الغياب القسري لطيرانها، بقذائف المدفعية والدبابات وقذائف "الهاون"، فضلاً عن صواريخ شديدة التدمير تسمى "الفيل" (اسم يطلق على صواريخ أرض – أرض)، قامت إيران بتطويرها، وتصنع في معامل الجيش السوري، كما أنها تحمل رأساً متفجراً يزن 300 كيلوغرام، محشواً بمواد متفجرة عالية الفاعلية، ما يؤدي إلى إلحاق أضرار هائلة في المكان توازي الأضرار التي تلحقها البراميل المتفجرة.

وقد سجّل ناشطون محليون سقوط عدة صواريخ من نوع "فيل" على مناطق سيطرة الثوار في اليومين الأخيرين. وتحدث ناشطون في حي بني زيد شمال مدينة حلب، عن سقوط صاروخي "فيل" على الحي، فجر الأربعاء الماضي، ما أدى إلى دمار كبير في المباني السكنية التي هجرها أهلها في وقت سابق بسبب حملة القصف المستمرة على مدينة حلب منذ أشهر.

ويرصد الناشطون أيضاً، استهداف قوات النظام، مساء الخميس الماضي، كلاً من حي الأشرفية، حي الشيخ مقصود، وساحة الملح وسط حلب القديمة بصواريخ "فيل"، أطلقت من قواعد الصواريخ التي نصبتها القوات في نادي الضباط ومنطقة يكاردا في حي الأعظمية الذي تسيطر عليه.

ويستغل الثوار غياب طيران النظام عن أجواء مدينة حلب وريفها، ليشنوا بشكل متزامن هجمات كبيرة على نقاط تمركز قوات النظام على خطوط الاشتباك في المدينة، حيث هاجمت قوات الثوار المتمثلة في ألوية "فجر الحرية" و"أحرار سورية" التابعة للجيش السوري الحر، والموجودة في أحياء الشيخ خضر والصاخور في الشمال الشرقي من مدينة حلب نقاط تمركز قوات النظام في حي سليمان الحلبي القريب، وترافق ذلك مع قصف قوات الثوار لنقاط تمركز قوات النظام في هذا الحي بقذائف "جهنم" محلية الصنع.

واستهدفت الكتائب المعارضة (حركة أحرار الشام ولواء التوحيد التابعان للجبهة الإسلامية) نقاط تمركز قوات النظام في معمل الدروبس، قرب قرية عزيزة إلى الجنوب من حي المرجة، الذي تسيطر عليه قوات النظام، لتندلع في ما بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين على هذا المحور، شاركت فيها "الجبهة الإسلامية" وحركة "فجر الشام الإسلامية"، التي انضمت منذ فترة إلى "جبهة أنصار الدين" التي ضمت معها "جيش المهاجرين والأنصار" و"حركة شام الإسلام" اللتين أضافتهما الولايات المتحدة أخيراً إلى قائمة الإرهاب.

وينتشر "جيش المهاجرين والأنصار" على خطوط الاشتباك مع قوات النظام السوري في المنطقة الواقعة شمال مدينة حلب، التي تمتد من منطقة العويجة في ضواحي المدينة الشمالية وصولاً إلى سجن حلب المركزي ومروراً ببلدة حيلان. و"جيش المهاجرين والانصار" هو جماعة جهادية تعمل في حلب منذ تأسيسها في مارس/آذار من العام الماضي، حين اندمجت كتيبتان إسلاميتان محليتان مع "كتائب المهاجرين" المؤلفة في معظمها من مقاتلين شيشانيين.

ويتوقع أن يقوم التحالف الدولي باستهداف مقرات ونقاط هذا التنظيم، وخصوصاً مع إدراجه على قائمة الإرهاب واستهداف الولايات المتحدة لمقرات "جبهة النصرة" في قرية كفردريان شمال إدلب ومنطقة ريف المهندسين الثاني في ريف حلب الغربي بصواريخ "التوماهوك"، ذلك أن "جبهة النصرة" مدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية منذ ما يقرب من الثلاث سنوات.

استهداف مقرات ونقاط هذا التشكيل، الذي يملك ثقلاً عسكرياً لا يستهان به، على جبهات قتال النظام السوري في شمال مدينة حلب، سيؤدي بلا شك إلى منح قوات النظام الفرصة للتقدم في هذه المناطق، وبالتالي وصولها إلى منطقة "الكاستلو" الاستراتيجية، التي يمر فيها الطريق الوحيد الذي تستخدمه قوات الثوار في مدينة حلب كخط إمداد أخير لها يصل مناطق سيطرتها في المدينة مع مناطق سيطرتها في الريف الشمالي لحلب.

ويظهر ضعف إمكانية قيام "جبهة النصرة" في سد الفراغ الذي سيسببه انسحاب "جيش المهاجرين والأنصار" من نقاط تمركزه شمال حلب، أو خسارته لهذه النقاط بفعل القصف الأميركي المتوقع، ذلك أن الجبهة تعرضت هي الأخرى لضربات موجعة، فجر الثلاثاء الماضي، حين استهدفت طائرات التحالف الدولي مقراتها في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشمالي بصواريخ "التوماهوك". الأمر الذي أدى إلى مقتل 80 من أفضل مقاتليها في مقدمتهم القناص الشهير "أبو يوسف التركي".

كما أن تشكيلات الجيش الحر وفصائل الثوار الأخرى، كـ"الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين"، تبدو منشغلة إلى حد يمنعها بلا شك من سد الفراغ الذي سيؤدي غياب "جيش المهاجرين والأنصار" إلى تركه في حال استهداف التحالف الدولي له، أو انسحابه من نقاط تمركزه خوفاً من هذا الاستهداف المتوقع.

وتضع فصائل الجيش الحر و"الجبهة الإسلامية" و"جيش المجاهدين"، كل ثقلها في الفترة الأخيرة لصد محاولات التقدم على جبهتي القتال المشتعلتين مع قوات النظام السوري وتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) منذ أشهر.

وكانت "كتائب لواء التوحيد" قد فقدت كثيراً من زخمها وقوتها إثر الضربات المتوالية التي تكبدتها بعد مقتل زعيمها ومؤسسها عبد القادر الصالح، إثر غارة لطيران النظام السوري قبل نهاية العام الماضي. والآن، بالكاد تتمكن من صدّ هجمات "داعش" المستمرة على تخوم مدينة مارع في ريف حلب الشمالي، بعد سيطرة التنظيم الشهر الماضي على مناطق أخترين، ارشاف، دابق، وأحتيملات في ريف حلب الشمالي، والتي كانت تعد في ما مضى مراكز ثقل لكتائب "لواء التوحيد"، الذي فقد في وقت سابق مدينة الباب، أحد أهم مراكز ثقله، ليبقى اللواء في مدينتي مارع وتل رفعت في ريف حلب الشمالي ويدافع ما تبقى من اللواء عنهما ضد هجمات "داعش".

أمّا "جيش المجاهدين" الذي أصبح من أكبر مجموعات الثوار في حلب وريفها خلال الفترة الأخيرة، فقواته أيضاً منشغلة بشكل كامل في تغطية نقاط الاشتباك مع قوات النظام غرب وجنوب مدينة حلب، وهذه القوات غير قادرة بالتأكيد على الانسحاب من هذه النقاط، لتغطية نقص متوقع في جبهات حلب الشمالية.

في كل الأحوال، لا بدّ من أن تؤدي الضربات الأميركية المتوقعة لـ"جيش المهاجرين والأنصار" إلى تراجع ميداني واضح لقوات الثوار في حلب، ذلك أنّه يتمركز في أكثر الجبهات حساسية في حلب. فهو المسؤول فعلياً منذ أشهر عن الدفاع عن جبهات حلب الشمالية التي تؤمن خط إمداد الثوار الوحيد إلى المدينة، خصوصاً مع الانشغال الكامل لباقي فصائل الثوار في حلب بقتال قوات النظام السوري في باقي جبهات المدينة وبقتال "داعش" في ريفها الشمالي، مع بقاء احتمال إحراز قوات الثوار تقدماً ميدانياً في المدينة. ويمكن أن يستفيد الثوار من غياب طيران قوات النظام شبه الكلي عن حلب وريفها مع بدء حملة التحالف الدولي في سورية.

المساهمون