تحليل فني...من باريس إلى مارسيليا.. انتهى زمن الأحلام

06 ابريل 2015
خسر بييلسا المباراة لكنه قدم فريقاً جيداً (العربي الجديد)
+ الخط -

على طريقة "لا تحلموا بعالم سعيد"، انتهى الكلاسيكو الفرنسي بفوز فريق النجوم باريس سان جيرمان على مارسيليا، فارس الجنوب ومعشوق جماهيره الغفيرة التي ملأت ملعب "الفيلودروم"، وتمنت انتصاراً لم يأت في النهاية، بسبب عودة المنطق الذي أعاد الأمور إلى نصابها السليم، بعيداً عن الأحلام والخيال، في مباراة شعارها، انتهى زمن المعجزات!

خطة الماضي
عاد مارسيلو بيلسا أمام باريس بخطته القديمة، اللعب بطريقة 3-3-1-3 التي تنبثق من خطة 3-4-3 التي شاهدها بيلسا مع أياكس فان جال، وأبدى إعجابه الشديد بها، ليعيد تطبيقها من جديد مستخدماً أفكاره الخاصة ومبادئه الكروية المتعلقة بالضغط العالي، واللعب العمودي من الخلف إلى الأمام تجاه مرمى الخصوم.

بيلسا رجل غير صبور، ربما لأنه أرجنتيني لاتيني، ومن الممكن لكونه عاشقاً ومتيماً باللعب الهجومي، لذلك فضّل الدفع بثلاثي دفاعي فقط بالخلف، مع ثلاثي آخر أمامهم، لذلك كانت التوليفة بقيادة موريل، فاني، مورال في خط، ثم دجيدجي، ليمينا، ميندي في خط آخر، مع وجود بايت كصانع لعب حر، وأخيراً مثلث الهجوم في الأمام، جينياك بالعمق، والثنائي أيو وتوفين على الأطراف.

يهدف "اللوكو" من هذه التركيبة إلى إلقاء الضغط الشديد على وسط باريس، واستخلاص أكبر قدر ممكن من الكرات، من أجل الضرب السريع بالتمريرات القاتلة، بالإضافة إلى كسر فكرة الاستحواذ التي يتمتع بها النادي الباريسي، ومحاولة حرمانه من الكرة قدر المستطاع، لأن الفريق القادم من العاصمة يعاني بشدة من دونها.

الثبات على المبدأ
باريس سان جيرمان هذا الموسم مختلف، خصوصاً في المباريات الكبيرة والمهمة، يلعب كرة قدم سلسة وجذابة وفي نفس الوقت يحقق توازناً كبيراً بين الدوري وبطولة أوروبا مؤخراً. يعتمد المدرب بلان باستمرار على خطة 4-3-3، ويراهن على فيراتي "الريجستا" الإيطالية كارتكاز قادر على قطع الكرات وتمريرها إلى الأمام، مع ماتويدي المحرك الذي لا يتوقف عن الجري كلاعب حر، مع لاعب الوسط الذي استعاد الأيام الخوالي، تياجو موتا كممرر ومايسترو في المنتصف.

وكل هذا العمل يخدم في النهاية الأداء الهجومي للفريق، بتواجد زلاتان إبراهيموفيتش كرأس حربة، يعاونه كافاني على الطرف، وباستوري في مركز صانع اللعب غير المركزي، لكن يبقى الرهان بشكل كبير على ديناميكية وتنوع الوسط، مع قدرة المدافعين على تسجيل الأهداف، كما فعل لويز وسيلفا في الأبطال، ولحق بهم ماركينهوس في البطولة المحلية.

وكما يعتمد مارسيليا على الضغط والسرعة، يأتي منافسه ليراهن على الحيازة والصبر في بناء الهجمة، ومحاولة بسط السيطرة على أغلب مجريات اللعب، مهما كانت قوة المنافس ومدى جاهزيته، لذلك كانت المباراة بمثابة التحدي في كل شيء.

بداية جنوبية
تقدم مارسيليا بهدفين مقابل هدف في الشوط الأول، وبعيداً عن النتيجة التي لا تساوي شيئاً في النهاية، لأن الحكم الصادر عن أرقام لوحة المباراة يكون ناقصاً في الغالب، لأن العبرة بالعملية وخط سيرها وليس الناتج النهائي أبداً، من الممكن أن تقوم بكل شيء صحيح، لكن يحدث أمر ما يعيق في النهاية، فتعود خطوات للخلف، وتخسر في النهاية، هل يعني ذلك أنك سيئ؟ بكل تأكيد لا، لكنك لم تنجح في تسيير العملية بالكامل في صالحك، لذلك تدفع الثمن.

وهذا ما حدث لفريق الجنوب خلال "الكلاسيكو"، فمارسيليا بدأ بطريقة رائعة، ونفذ لاعبوه أفكار مدربهم بكل جرأة، والهدفان تأكيد على ذلك، لأن جينياك سرق الأضواء من الجميع ووضع دفاع باريس داخل حيز الخط، خصوصاً أن الأهداف جاءت كما يريد المدرب بيلسا، الأول عن طريق الزيادة العددية داخل منطقة الجزاء، فالعرضية قادمة من اليمين، وثلاثي صريح أمام المرمى في انتظارها، لاعب الوسط المهاجم، والجناح أيو المتحول إلى العمق، والمهاجم جينياك الذي يضعها في الشباك.

وهذا ما يطمح له الأرجنتيني في مسيرته مع كرة القدم، هاجموا بكل ما أوتيتم من قوة وعدد، ودافعوا بنفس الطاقة والرغبة، لذلك يلعب مارسيليا على الورق بخطة 3-3-1-3، الطريقة التي تمتاز بمرونة غير عادية في ما يخص لعبة التحولات، من الدفاع إلى الهجوم، والعكس.

السيئ والرائع
عانى وسط باريس بعض الشيء خلال الشوط الأول، بسبب سياسة مارسيليا الدفاعية التي تتبع نظام الرقابة الفردية Man Marking بطول وعرض الملعب، لذلك كانت عملية بناء الهجمة من الخلف غير جيدة، وتم وضع جميع لاعبي الفريق الضيف تحت الضغط سواء في خط الدفاع أو الوسط، وبالتالي قل الدعم المقدم من الهجوم.

فيراتي لاعب غير طبيعي، يقول عنه بلان إنه نجم يحتفظ بالكرة حتى النوم، صحيح هناك استفزاز ومخاطرة، لكن عليك محاسبته فقط في حالة الخطأ، والإيطالي الصغير فعلاً قام بهفوة غير مقبولة خلال الهدف الثاني لمارسيليا، لأنه لم يتحمل أبداً فكرة الرقابة الفردية التي تجعل حامل الكرة في وضع صعب.

في المقابل، يستحق ماتويدي لقب اللاعب المظلوم في الأونة الأخيرة، لأنه يقدم أداء رائعاً ومجهوداً ممتازاً خلال كافة المباريات، ومن الصعب جداً حصره في مركز الوسط فقط، لأنه يتحول إلى الجناح ويعود إلى الخلف، يحمي مرماه ويقطع الكرات، وبالتأكيد يصعد للأمام من أجل تسجيل الأهداف، كما فعل في هدف فريقه الأول، لذلك من الصعب جداً مراقبة لاعب يتحرك باستمرار، وإذا كان هناك اسم واحد يستطيع أن يدمر نظام بيلسا، فهو ماتويدي، اللاعب غير المتوقع بالمطلق. 

العبرة بالنهايات
إذا كانت الكرة تدار بالكمبيوتر لكان بيلسا بحق هو الأفضل في العالم، لكن الواقع مختلف بعض الشيء، ومن الصعب جداً الحفاظ على هذا النسق المرتفع في الضغط المتواصل، والجمع بين الدفاع والهجوم في آنٍ واحد، خلال موسم كامل، وبالأخص في تسعين دقيقة معقدة ككل فترات الكلاسيكو، لذلك تعب لاعبو مارسيليا في النهاية وفقدوا الكثير من طاقتهم، ليتم استنزاف الجهود المبذولة، وخطف الفوز في الشوط الثاني.

سيناريو المباراة أشبه بطريقة لعب معظم فرق بيلسا، البداية القوية ثم فترات الشكوك، وأخيراً النهايات غير السعيدة، فمارسيليا قدم شوطاً أولاً مميزاً، واهتز أداؤه بعد هدف التعادل ثم الهدف الأخير، الأقرب إلى رصاصة الرحمة التي أنهت كل الآمال، وأجبرت أصحاب الأرض على الخروج بعيداً عن أجواء القمة.

تغييرات الشوط الثاني كانت طبيعية، أدارها بلان ببرود يُحسد عليه، فالرجل أخرج الأسماء السيئة، ودفع بلافيتزي للاستفادة من المساحات أسفل الأطراف، ثم رابيوت من أجل قتل المباراة في الدقائق الأخيرة، أما بيلسا فحاول تغيير المعطيات بالبدلاء أوكامبوس باتشواي، وأليساندريني، لكن من دون نتائج مبهرة، وإن كان يحسب عليه إخراج مهاجمه صاحب الهدفين في الشوط الأول.

"النتيجة هي مجموعة من البيانات، أنت تناقش العملية وليس النتيجة النهائية، النتائج لا تُناقش هل تذهب إلى الملعب لمدة تسعين دقيقة من أجل مشاهدة لوحة النتائج في نهاية المباراة؟ أم لكي تشاهد المباراة نفسها؟"، والإجابة عن هذه المقولة تسبب جدلاً واسعاً، لكنها تؤكد أن باريس فازت في النهاية، لكن مارسيليا لم يكن سيئاً على طول الخط.

المساهمون