يشهد اليمن سباقاً بين الجهود السياسية ومحاولات التقدم الميداني وتحقيق نصر حاسم ولو جزئياً على الأرض، بعد مرور ما يقارب 70 يوماً على انطلاق عمليات التحالف. وفيما تؤكد مصادر سياسية إحراز تقدم في تحضيرات مؤتمر "جنيف" المرجح أن يتم تحديد موعد له في الأيام القليلة المقبلة بعدما بات في حكم المرجح أنه سيعقد قبل بدء شهر رمضان، اجتمع الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، في الرياض، بالمبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، بعد عودة الأخير من زيارته لصنعاء، ليطلعه على نتيجة لقاءاته مع جماعة الحوثيين والأطراف المتحالفة معها. ويأتي لقاء هادي مع المبعوث الأممي بعد إعلان أطراف سياسية في صنعاء عن موعد جديد لمؤتمر جنيف قبيل أن يعلن ولد الشيخ أحمد ذلك بنفسه، وقبيل أن يلتقي هادي وأعضاء الحكومة أو حتى باقي الاطراف السياسية الأخرى المتواجدة في الرياض.
اقرأ أيضاً: الحوثيون يتوجّهون شرقاً لمحاولة تعويض تراجعهم جنوباً
وفي السياق، كشفت مصادر متواجدة في الرياض لـ"العربي الجديد" أن الرئيس اليمني كان قد التقى بالأطراف السياسية في الرياض، أول من أمس، استباقاً لاجتماعه بولد الشيخ أحمد، وناقش معها التطورات السياسية في اليمن فضلاً عن مؤتمر جنيف. وتم تشكيل لجنة لدراسة المشاركة فيه. كما تم تكليف لجنة من أربعة وزراء لإعداد ورقة متكاملة حول الموقف من مؤتمر جنيف.
وتشدد المصادر على أن الأطراف السياسية في الرياض متمسكة، بدورها، بتنفيذ قرارات مجلس الأمن. وهو نفس الموقف الذي تبدية الأطراف الجنوبية، ولا سيما قيادات الحراك الجنوبي المتواجدة حالياً في الرياض.
وكان مصدران مطلعان التقيا المبعوث الأممي إلى اليمن أثناء زيارته إلى صنعاء، قد أكدا لـ"العربي الجديد" أن الموعد الجديد لانطلاق مشاورات جنيف سيكون على الأرجح في أوائل يونيو/حزيران الحالي بعدما بات في حكم المؤكد أنه سيعقد قبل بداية شهر رمضان.
ولا تزال صيغ مشاركة الأطراف السياسية في مؤتمر جنيف ملتبسة. وبينما تطرح بعض الأطراف أن يكون الحوار بين ممثلي "الشرعية" من جهة وممثلي "الانقلاب" من جهة ثانية، كطرفين فقط، تصر مكونات أخرى على أن يشارك كل طرف أو حزب بصفة مستقلة، على غرار المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أوائل عام 2014.
وحسب أحد المصدرين، فقد أطلع المبعوث الأممي الأطراف في صنعاء على نتائج مشاوراته في الرياض، وشرح لهم كيف أنه كان هناك اختلاف بين القوى المشاركة في مؤتمر الرياض حول صيغة مشاركتها في جنيف، وما إذا كانت ستشارك بوفد عن "مؤتمر الرياض"، في مقابل الحوثيين وحزب الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، أم ستشارك كأحزاب منفردة.
وبينما لم تعلن الأمم المتحدة الإجراءات الفنية والصيغ النهائية المتفق عليها لتمثيل الأطراف، رجحت مصادر مطلعة أن تكون المشاركة من خلال ممثلين عن كل طرف أو حزب، ولا تعتمد على نسبية. بالإضافة إلى ذلك، فإن صيغة المشاركة المرجحة في ظل الخلاف، هي أن يشارك كل حزب باسمه وصفته.
وفي هذا السياق، قال المتحدث باسم الحزب الاشتراكي اليمني، علي الصراري، الذي التقى ولد الشيخ أحمد بقيادات حزبه في صنعاء، لـ"العربي الجديد" إن "الاشتراكي سيشارك بصفته المستقلة كحزب، وليس ضمن أي تكتل".
ومن ضمن الخلافات التي كانت محل نقاش، طبيعة تمثيل حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه صالح في جنيف، إذ طرحت القيادة اليمنية في السعودية أن يشارك عن الحزب ممثلون من المنشقين وليس ممن يختارهم الجناح الموالي لصالح في صنعاء.
وغادر ولد الشيخ أحمد صنعاء، يوم الأحد، بعدما كان قد أكد خلال لقاءاته بالأطراف السياسية تصميم الأمم المتحدة على عقد مؤتمر جنيف في أسرع وقت. وتتحدث أنباء عن احتمال طرح الأمم المتحدة هدنة جديدة تساعد في تهيئة الأجواء للقاء جنيف، وكذلك بالتزامن مع اقتراب دخول شهر رمضان، للتخفيف من وطأة الأزمة التي يعيشها البلد منذ بداية العمليات العسكرية نتيجة الحصار والوصول المحدود للمواد الغذائية وشبه انعدام الخدمات كالكهرباء.
وعلى الرغم من أحاديث التهدئة والتقدم في الاستعدادات لجنيف، تتصاعد الأحداث الميدانية بوتيرة متسارعة، حرصاً على إحراز تقدم حاسم في بعض الجبهات من قبل مسلحي "المقاومة الشعبية" والقوات الموالية للشرعية المدعومة من التحالف، وخصوصاً في المحافظات الجنوبية، التي تقدم فيها المعارضون لمليشيات الحوثيين والرئيس المخلوع خلال الأيام الماضية.
اقرأ أيضاً: جبال الصواريخ في صنعاء... نقمة يدفع ثمنها المدنيون
وصعّد التحالف العشري غاراته، خلال الـ48 ساعة الماضية، في العديد من المحافظات ونفّذ ضربات إسنادية لـ"المقاومة الشعبية" في تعز وعدن ومأرب، فيما بدا تحركاً منظماً يدفع نحو الحسم، وإفشال محاولات التقدم التي يقوم بها الحوثيون والقوات الموالية لصالح.
كما نفذ التحالف، أمس الإثنين، غارات جديدة على جبل نقم، ما أسفر عن انفجارات قرب الأحياء السكنية عند أسفل الجبل، وعن تطاير الشظايا والمقذوفات في المنطقة لمسافات تصل إلى خمسة كيلومترات، وهو ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص وإصابة 20، فضلاً عن حركة نزوح للسكان إلى أحياء آمنة. كما استهدفت مقاتلات التحالف مواقع عسكرية ومخازن أسلحة اخرى في جبل النهدين المطل على صنعاء من جهة الشرق. وشنّت غارات جديدة على مواقع مليشيات الحوثيين في محافظة عمران شمال صنعاء، وفي محافظة الحديدة، فضلاً عن استهداف تجمعات الحوثيين في منطقة سناح وقعطبة شمال محافظة الضالع التي سيطر عناصر "المقاومة الشعبية" على معظمها.
ورأى بعض المراقبين أن تكثيف الضربات الجوية بالتزامن مع وجود المبعوث الأممي في صنعاء، كان بمثابة رسالة مفادها أن التحالف قد يواصل عملياته حتى تحقيق الأهداف، بغض النظر عن الجهود السياسية.
ومما يقلل احتمالات التوصل إلى اتفاق سياسي قريب، التصعيد الحوثي المستمر في المناطق الحدودية مع السعودية. ولعل من أهم تطوراته الأخيرة، إعلان الحوثيين عن نوع جديد من القذائف الصاروخية قريبة المدى صناعة محلية أطلقوا عليها "الزلزال"، بعد أن كشفوا في الأسبوع الماضي عن قذائف صاروخية قالوا إنها صناعة محلية وأطلقوا عليها "النجم الثاقب".
ويمثل هذا الإعلان، حسب تعليقات محللين، استفزازاً جديداً للسعودية، قد يدفعها إلى الإصرار على مواصلة العمليات، بتعزيز مخاوفها من أنشطة الجماعة قرب الحدود.
وأياً كانت نسبة التقدم السياسي إلى التصعيد الميداني، فإن الوضع على الأرض يرشح استمرار الحرب ولو بشكل متقطع، حتى الانتهاء من اتفاق سياسي ملزم لمختلف الأطراف وتوفير آلياته. يذكر أن مفاوضات نقل السلطة في عام 2011 استمرت منذ أبريل/نيسان وحتى نوفمبر/تشرين الثاني. وخلال هذه المدة كانت صنعاء وتعز ومناطق أخرى ساحة لاشتباكات ومواجهات محدودة، وهو السيناريو الذي قد يتكرر حالياً، إذا ما تعذر الوصول إلى اتفاق سياسي قريب.
اقرأ أيضاً: الحرب تشتّت مواقف الأحزاب اليمنية