تحديات ما بعد باريس

تحديات ما بعد باريس

01 فبراير 2015
+ الخط -
بحسب إحصاء للأمم المتحدة عام 2013، فإن حوالى 45 مليون مسلم يعيشون في 28 دولة أوروبية. وفي كل مرة يقع فيها حدث، يصبح هؤلاء جميعا، ومنهم بالتأكيد المهاجرون العرب في عموم الغرب، تحت الشبهة ومتهمين وعرضة لحملات إعلامية وسياسة حزبية وحكومية، فمنذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 تتكرر ذات الحكاية في طلب "الاعتذار" والانشغال بتداعيات ليست على بال لا المخططين ولا المنفذين لهجمات الشهر الماضي في باريس.
في المشهد الإعلامي، ولكي تكتمل مأساوية الصورة، يتصدر بعض المغمورين لتبرير أحداث العنف والهجمات بطريقة تعقد المشهد، بينما الإدانة للأعمال لا تتوقف.
فمن ناحية تخرج مؤسسات إسلامية وعربية في الغرب لتدين وتندد، وتعتبر أن ما جرى ويجري لا يعبر عن تلك الجاليات، في ذات الوقت يذهب البعض في نقاشه إلى تبرير ذلك الفعل المرفوض، باستقدام أمثلة والتخفيف من أخرى، ظنا منهم أنهم في ذلك يدافعون عن تلك الجاليات وعن الإسلام.
وفي كل مرة تطرح أهمية التأطير الصحيح لهذه الجاليات، ليس لتشكل مجتمعات هامشية ومنعزلة عن المجتمعات التي تعيش بينها، يخرج من بين هذه الجاليات من يظن أن تلك الأهمية ثانوية ولا تعني الكثير في إطار أشمل "للدفاع عن الإسلام". بعض الجماعات تذهب نحو تشجيع تلك العزلة بجملة من التحريمات التي لو فحصت حقيقة لتبين أن كل أسس وجود المسلمين في الغرب منسوفة من أصلها.
كيف استطاعت اللوبيات اليهودية، وبكل بساطة، أن تجير هجمات باريس لمصلحتها، بالتباكي عن أنها مستهدفة، بينما تنشغل تلك الجماعات العربية والإسلامية في صراع أضداد، بذات العقلية التي تجري فيها عملية الصراع على النفوذ في بلادنا الأصلية، وتنفذ تلك اللوبيات ومعها اليمين المتشدد نحو التكتل في وجه هؤلاء جميعا دونما تمييز.
المسألة الخطيرة هي في تحويل الجاليات العربية والمسلمة إلى جاليات بلا وزن في مجتمعات تقوم على سيادة القانون وفصل السلطات، بحجج وأفكار غير مرتبطة بواقعهم في البلاد الأوروبية.
قد تتجه دول الاتحاد نحو تشديدات قانونية وأمنية تطال الجميع، لكن الأدوات التي تواجه تلك التشديدات ما تزال ذات الأدوات التي تعاني من تفكك وركاكة لا تحمي مصالح الملايين. فإذا كان البعض ما يزال يتعاطى مع الخوض في المشاركة الديمقراطية والعمليات الانتخابية وفق عقلية "لا يجوز"، فهذا يعني أننا بالتأكيد سنشهد تقدما لليمين المتطرف واستخفافا بوزن الكتلة البشرية الانتخابية التي تمثلها الجاليات العربية والمسلمة، والتي يمكن لها، في أي لحظة، أن تكون نقطة قوية في الخرائط السياسية الأوروبية.

المساهمون