تحديات التطبيع الأميركي ــ الكوبي: حقوق الإنسان وإرضاء الجالية

تحديات التطبيع الأميركي ــ الكوبي: حقوق الإنسان وإرضاء الجالية

20 مارس 2016
التقى أوباما كاسترو في الأمم المتحدة (مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى هافانا غداً وبعد غد، تعني الجالية الكوبية في الولايات المتحدة بقدر ما تعني الشعب الكوبي. هذه الجالية القوية بنفوذها، منقسمة على ذاتها حيال تطبيع يسير بخطوات متسارعة، ويفرض أمراً واقعاً جديداً في العلاقات الثنائية بين البلدين.

على المنظمات الكوبية الأميركية، التي تعارض التطبيع، مشاهدة أوباما في هافانا يوم الثلاثاء المقبل يتابع مباراة في "البايبسول" للمحترفين بين المنتخب الوطني الكوبي وفريق "تامبا باي رايس" الأميركي من ولاية فلوريدا. أكثر من ذلك، تراقب الجالية كيف بات يحقّ للكوبيين الأميركيين السفر إلى كوبا وإرسال التحويلات المالية، ما زاد عدد الأميركيين المخوّلين السفر إلى الجزيرة بنسبة 77 في المئة، ليصل إلى 161 ألف أميركي العام الماضي. كما يحق للكوبيين السفر الى الولايات المتحدة والحصول على رواتب بعد الإجراءات الأخيرة التي أعلنتها إدارة أوباما. ويبدو مسار تطبيع العلاقات عصياً على الإيقاف، مع العلم أن المنظّمات الكوبية ــ الأميركية المعنية بحقوق الإنسان والمجتمع المدني لا تزال تحاول تجاوزالصدمة القوية التي تلقتها نهاية العام 2014 عندما علمت فجأة من الإعلام بقرار إدارة أوباما تطبيع العلاقات مع هافانا، كما تحفّظت على عدم إطلاعها مسبقاً على هذا القرار الاستراتيجي. وحاول البيت الأبيض استيعاب هذا الاستياء، عبر إرسال نائب مستشار الامن القومي بن رودس إلى ميامي قبل أسبوعين، كما عقد أوباما اجتماعاً مع قيادات أميركية كوبية عشية سفره الى هافانا. 

وتابعت هذه الجالية عن كثب تفاصيل التجاذبات بين واشنطن وهافانا في الأسابيع الأخيرة لوضع اللمسات النهائية على جدول أعمال أوباما في كوبا. فوزير الخارجية الأميركي جون كيري ألغى زيارة كانت مرتقبة الى هافانا قبل أسبوعين بسبب التباين مع نظيره الكوبي برونو رودريغيز حول رغبة أوباما بلقاء معارضين كوبيين وممثلين عن المجتمع المدني، ورغبته بالتطرق الى تحديات حقوق الانسان في كوبا خلال خطابه العلني يوم الثلاثاء الذي يشرح فيه مغزى هذا التحول في العلاقة بين البلدين، مع تطلع إلى المستقبل والتأكيد مرة أخرى أن صفحة المحاولات الأميركية لتغيير النظام الكوبي قد انتهت الى غير رجعة.


وهناك أكثر من مليوني أميركي من أصل كوبي، وهي الجالية الثالثة عددياً في الولايات المتحدة وتتمركز بشكل خاص في ولاية فلوريدا. لدى الجالية سبعة أعضاء في الكونغرس الأميركي، وبالتالي هي المجموعة الاثنية الثانية الأكثر تمثيلاً في الولايات المتحدة بعد اليهود الأميركيين، لدرجة أنه يتم وصف هذه الجالية بـ"يهود البحر الكاريبي" نظراً لقدرتها على التأثير التي تتجاوز عددها. ولعل الدليل الأبرز على هذا النفوذ هو وجود مرشحَين من أصل كوبي في الانتخابات الرئاسية التمهيدية عند الحزب الجمهوري هذا العام، هما السيناتور عن فلوريدا ماركو روبيو، والسيناتور عن تكساس تيد كروز.

روبيو الذي انسحب أخيراً من السباق الرئاسي، انتقد زيارة أوباما مؤكداً أنه لن يزور هافانا إلا إذا كانت "كوبا حرة"، كما وصف النظام في الجزيرة بأنه "ديكتاتورية شيوعية معادية لأميركا"، فيما وصف تيد كروز الزيارة بأنها "خطأ حقيقي". لكن لماذا لم تكن المعركة الجمهورية لإجهاض سياسة أوباما حيال كوبا فعالة حتى الآن؟

اقرأ أيضاً: أوباما: زيارتي لكوبا تفتح "فصلا جديدا" في العلاقات

تاريخياً تميل الجالية الكوبية الأميركية إلى الجمهوريين، وذلك بعد فشل غزو خليج الخنازير في 17 إبريل/نيسان 1961 الذي كان محاولة فاشلة للدخول جنوب الجزيرة للانقلاب على الرئيس الكوبي السابق فيديل كاسترو، قادتها قوات من المهاجرين الكوبيين (عُرفت باللواء 2506) دربتهم وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. هذه المحاولة التي انطلقت من غواتيمالا تم إجهاضها خلال ثلاثة أيام من قِبل النظام الكوبي. اعتبر المهاجرون الكوبيون حينها أن إدارة الرئيس الأميركي الراحل جون كينيدي، الذي ينتمي إلى الحزب الديمقراطي، تخلّت عنهم ولم توفر دعماً جوياً، ما سمح لقوات كاسترو بحسم المعركة. الرئيس الجمهوري الراحل رونالد ريغان كانت لديه شعبية واسعة بين الكوبيين الأميركيين وهناك شارع يحمل اسمه في ميامي، كما حصل الرئيس السابق جورج بوش الابن على أكثر من 75 في المائة من الأصوات الكوبية الأميركية خلال الانتخابات الرئاسية عامي 2000 و2004.

التحوّل بدأ مع الحملة الرئاسية للسيناتور آنذاك باراك أوباما في العام 2008 حين برز جيل جديد من الكوبيين الأميركيين، جيل لم يولد في كوبا ولم يعش الحرب الباردة وليس لديه الغضب الدفين ذاته تجاه النظام الكوبي، جيل عقليته أميركية ولا يضع بالضرورة كوبا على رأس اهتماماته أو حتى لا يهتم بالسياسة كالجيل الذي سبقه. انقسام الأجيال داخل الجالية أدى إلى حصول أوباما على 47 في المائة من أصوات الكوبيين الأميركيين و55 في المائة من أصوات الشباب. هذا الاتجاه تعزز في الانتخابات الرئاسية عام 2012 حين اتضح بدء ميل الكوبيين الأميركيين ما بين 18 و49 عاماً إلى الحزب الديمقراطي.

آخر استطلاع أجرته شركة "بنديكسن-أماندي" الدولية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أظهر أن 56 في المائة من الأميركيين مع مقاربة أوباما لتطبيع العلاقات مع هافانا، و53 في المائة مع رفع الحظر الأميركي عن الجزيرة. البيت الأبيض يريد الانفتاح على المواقف المتشددة في الجالية الكوبية لمحاولة إقناعها بفكرة تطبيع العلاقات مع هافانا، وبالتالي زيادة الضغوط على أعضاء الكونغرس من أصل كوبي لتغيير موقفهم من رفع الحظر الأميركي على الجزيرة. وهنا تكمن الأهمية بالنسبة لأوباما ألا يظهر بالشكل على الأقل، بأنه تنازل للنظام الكوبي بعدم إجراء أي لقاء مع المعارضة الكوبية، لا سيما أن أوباما قال في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي إنه سيزور كوبا فقط إذا كان هناك "بعض التقدّم في الحرية" في الجزيرة. فيما كتبت الشهر الماضي الجريدة الرسمية الصادرة عن الحزب الشيوعي الكوبي (غرانما) أن زيارة أوباما هي دليل على أنه ليس هناك انتهاكات لحقوق الإنسان في كوبا.

هذه الحرب الإعلامية الناعمة حول قضايا حقوق الإنسان مستمرة على أكثر من جبهة. واشنطن تتحدث عن عشرات السجناء السياسيين المعتقلين منذ فترة طويلة في السجون الكوبية والمضايقة المستمرة لرموز المعارضة الكوبية واعتقال أكثر من 1400 معارض لفترة قصيرة خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي. أما الحكومة الكوبية فترد بالكلام عن تزايد العنف العرقي في الولايات المتحدة والمعاملة السيئة للسجناء والمهاجرين، وتعتبر أن استمرار فرض الحظر الأميركي على كوبا بمثابة انتهاك لحقوق الإنسان. كما تشير إلى برامج الرعاية الصحية والاجتماعية في كوبا كدليل على اهتمام هافانا بقضايا حقوق الإنسان.

تنتظر الجالية الكوبية الأميركية خطاب أوباما من هافانا كما اللقاء المرتقب الذي يعقده مع ممثلي المجتمع المدني الكوبي، لا سيما لتعرف نوعية الأسماء الحاضرة ومدى معارضتها للنظام الكوبي. لكن الجالية تفاوض البيت الابيض على شروط التطبيع وليس على جدواه أو مساره المحتوم.

اقرأ أيضاً: أحلام الوحدة المسيحية الدينية تبدأ من كوبا الشيوعية