بين طلعة ليبيا واتفاقية إثيوبيا

بين طلعة ليبيا واتفاقية إثيوبيا

27 مارس 2015
+ الخط -

"لم أستطع أن أعزي المصريين بشهداء ليبيا الذين قتلوا على يد تنظيم داعش الإرهابي، قبل أن أثأر لهم، وأقتص من كل من تقترب يده من المصريين". كانت هذه كلمات سيادة الزعيم الفريق المشير عبد الفتاح السيسي، حامي الديار المصرية، بعد الطلعة الجوية التي قام بها الطيران المصري على الأراضي الليبية التي قتل فيها سبعة مدنيين ليبيين، معظمهم أطفال ونساء.
إذا كنت من المحظوظين الذين تابعوا الإعلام المصري، في هذه الفترة، فإنك، بلا شك، ستعتقد أنك ستصلي الجمعة المقبلة في المسجد الأقصى، ثم تعود مسرعاً إلى ميدان التحرير، لتكون بين الملايين التي ستأتي من كل أرجاء المعمورة، للاحتفال بالزعيم السيسي الذي استطاع هزيمة إسرائيل وأميركا وإيران والصهيونية العالمية والنازية، وكل هذا، عزيزي القارئ، في أول طلعة جوية على الأراضي الليبية. وقتها، سيتناول الميكرفون خاطباً في الجماهير العريضة "اللي يفكر يمد إيده على المصريين هنقطعهاله، صحيح صحيح. أنا بقول الكلام ده ليه، لان احنا بنواجه الإرهاب الأحمق، صحيح صحيح". وهنا امتلأ الميدان بالتصفيق الحاد والصرخات، ثم تلتها حالات إغماء كثيرة من حالة الهستيريا التي وصلوا إليها، متأثرين بكلمة القائد العظيم.
تستمع، بلا شك، إلى الإعلام المصري، حيث لا شيء من الحقيقة، حيث الكذب والتخدير والتنويم المغناطيسي. إنها الأذرع الإعلامية، أيها السادة، والتي استغرقت وقتاً كثيراً، كي يبنيها السيسي. وبدا هذا جلياً، وهو يطمئن الضابط عمر الألفي الذي كان قلقاً من تجاوزات الإعلام على المؤسسة العسكرية، عندما قال له "احنا دوقنا الويل يا عمر بس إحنا شغالين في ده". وبدا أوضح عندما كان يطلب عباس كامل، مدير مكتب السيسي، من أحمد علي، أن يخبر الإعلاميين ماذا يقولون الليلة "إنت بتكتب يا أحمد".
هذا الإعلام الذي فاق توقعات أحد وزراء هتلر الذي قال له أعطني إعلاماً بلا ضمير أعطيك شعباً مغيباً، من "حواديت" عن بطولات الجيش المصري، في إثر قائد الأسطول السادس الأميركي إلى الثعبان الضخم الذي يحارب الجيش المصري في قناة السويس، إلى فرقة الـ 777 التي أنقذت بوتين الرئيس الروسي من الانقلاب الذي حدث عليه لولا تدخل الفرقة المصرية.
وإذا كنت من السعداء المتابعين للإعلام المصري قبل الانقلاب، ستدرك الكارثة التي ستقع في مصر قريباً، متخيلاً ذلك المشهد من فيلم "شيء من الخوف" والأرض تكاد تنطق من العطش. نعم مصر كانت على أبواب أزمة مالية. ولكن، الغريب هنا هو أنت، أنك اقتنعت تماماً بأننا مقبلون على أزمة مائية كبيرة، ثم بعد الانقلاب، أنت نفسك صدقت رئيس الوزراء آنذاك، حازم الببلاوي الذي قال "إن سد النهضة سيكون سبب رخاء لأثيوبيا ومصر".
وانقلب الحال في الإعلام، ولم يعد أحد يتكلم عن سد النهضة، ولا عن مشروعات الجيش التي كانت تتحدث "عن زراعة مليون شجرة موز في إثيوبيا والسودان ومصر هيخلي إثيوبيا تقولك والنبي خدوا المياه، وإلا سنغرق"، على حد قول لواء جيش في إحدى القنوات.
أما اليوم، عندما وقع السيسي على اتفاقية مع إثيوبيا والسودان، لا يعلم أحد شيئاً عن بنودها، مع ذلك أخبروك أن القائد العظيم حقق نصراً كبيراً في إثيوبيا. ولكن، للأسف نحن معرضون لأزمة مياه في الفترة المقبلة، لا أعلم كيف توقع اتفاقية خطيرة كهذه، من دون أن تعرض على الشعب في استفتاء، لأن الأمر يخص جميع المصريين، أو أن تعرض على مجلس شعب منتخب يمثل المصريين. لكن، لا عليك هم سيوقعون ثم يجبرونك أن تصدق ما يريدون، لأنهم، بكل بساطة، يمتلكون إعلاماً بلا ضمير.

 

avata
avata
إسماعيل أبو زيد (مصر)
إسماعيل أبو زيد (مصر)