بين الاستبداد والديمقراطية

20 مارس 2015
+ الخط -

تم تداول مفهوم "الاستقرار" كثيراً منذ بداية انتفاضات الربيع العربي من تونس، فهناك من رأى أن هذه الاحتجاجات نوع من عدم الاستقرار السياسي، واعتبرها بعضهم مجرد تعبير عن حيوية المجتمع، بحيث تطفو على السطح التناقضات الموجودة فيه. وفي المقابل، استخدمت الأنظمة العربية ومؤسساتها السياسية والإعلامية عبارة "زعزعة الاستقرار" للتخويف من أي تغيير جديد، ولضمان خضوع الشعوب لهاته الأنظمة.
ليس الاستقرار السياسي، كما وصفه الكاتب محمد محفوظ، وليد القوة العسكرية والأمنية، وإنما وليد تدابير سياسية واقتصادية وثقافية، فالنظام السياسي المتبع في الدولة يحدّد مدى الاستقرار السياسي فيها من عدمه. من هذا الوصف، نستنتج أن الاستقرار السياسي لا يمكن تحقيقه بالقبضة الأمنية والقمع وتجاهل تطلعات الشعوب المشروعة، فهناك دول لا تمتلك بنية عسكرية وأمنية كبيرة، إلا أن استقرارها صلب ومتين، وهي قادرة على حفظ أمنها العام ومواجهة أي أزمة. فعوامل تحقيق الاستقرار الحقيقي تتلخص في العلاقة بين الحاكم وشعبه، إذا كانت هذه العلاقة قائمة على تعاقد اجتماعي، يضمن التداول السلمي للسلطة، ويضمن الحقوق والحريات، فاستقرار الدولة يكون صلباً وقائماً على أسس متينة. أما إذا كانت هذه العلاقة قائمة على الظلم والطغيان، فاستقرار الدولة يكون هشاً ومعرضاً للعطب في أي لحظة.
تستثمر دول عربية تعيش استقراراً هشاً ونسبياً حالة الفوضى التي تعيشها دول عربية أخرى، مثل سورية وليبيا والعراق، لكي تعطي شرعية للتراجعات التي تعرفها على مستوى الحقوق والحريات ولتعطيل الإصلاحات التي وعدت بها المواطنين، وتستخدم قبضتها الأمنية لإسكات الأصوات "المزعجة"، بذريعة المحافظة على الأمن والاستقرار. لكنها لا تعرف جيداً أن الفوضى وحالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها بعض الدول التي طالبت شعوبها بالتغيير، هي نتاج ظلم وسلطوية الأنظمة المستبدة تجاه مواطنيها، فهي من قتلت أحلامهم، وأخرست أصواتهم، فلولا هذا التسلط ما كان لهاته الشعوب أن تنهض، وتنتفض ضد حكامها.
ما يحدث، الآن، من فوضى وعنف سياسي في هذه الدول كان سيحدث، عاجلاً أو آجلاً، بسبب التناقضات الصارخة بين الحكام والمحكومين، وبسبب التخلف الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تعيشه هذه الدول. على الرغم من ذلك كله، الديمقراطية شيء حتمي في كل البلدان، على الرغم من التعثرات، ولنا في التاريخ نماذج كثيرة، يجب التعلم منها والاستفادة من أخطائها، ففرنسا قامت فيها ثورة سنة 1789، استمرت في السقوط والنهوض عقوداً، حتى وصلت إلى الديمقراطية التي تنعم بها الآن، أما الولايات المتحدة فقد وصل بها الأمر إلى قيام حروب أهلية طاحنة بين الشمال والجنوب، حتى تم إلغاء نظام العبودية، وإن لم ينته فعلياً، إلا بوثيقة حقوق الإنسان التي دافع عنها رائد المقاومة اللاعنفية، مارتن لوثر كينج، ودفع حياته ثمناً لها باغتياله.
ليست الشعوب في خيار بين الاستبداد والفوضى، لأنه في وسعها أن تفوز بالحرية التي تفرض نظامها، وإنْ على الأمد الطويل، أما الاستبداد فلا نظام له إلا القوة. فمن يجعل الاستبداد بديلاً عن الفوضى، تعد إليه الفوضى بديلاً أفضل للاستبداد، لأن الاستبداد في الأخير هو مسكن لآلام التغيير، وحل مؤقت للفوضى، لكنه ليس علاجاً لها بالتأكيد.

 

0D3A5F64-1BA0-4267-8817-D08596A7B311
0D3A5F64-1BA0-4267-8817-D08596A7B311
نصر حضار (المغرب)
نصر حضار (المغرب)