بوتين يدير ظهره للغرب ويزور الهند مع حزمة مشاريع

11 ديسمبر 2014
يتحرّك بوتين نحو الدول التي ترفض التبعيّة لواشنطن(فرانس برس)
+ الخط -

تستكمل روسيا استدارتها نحو الشرق. بعد جدال في المجتمع الروسي عن هويّة روسيا، هل هي شرقيّة أم غربيّة، مروراً بروسيا الأوراسيّة ثقافياً وحضارياً، انتهى الكرملين، مدعوماً باستياء شعبي واسع من العقوبات الغربية، ومن خيبة أمل رسمية وشعبيّة في أوروبا، إلى أنّ مصلحة روسيا مع الشرق. تعلّمت موسكو كيف تجني مصالحها وتقيم علاقات منفعة متبادلة.
وفي هذا الإطار، تندرج زيارة العمل التي يُجريها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نيودلهي، والتي وصلها أمس الأربعاء، بدعوة من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وبالتزامن مع انعقاد المنتدى السنوي الروسي- الهندي. وتُعدّ هذه الزيارة الأولى لبوتين إلى الهند، بعد استلام مودي مهامه الرسميّة مدعوماً من قطاع الأعمال الهندي.

ويبحث الجانبان القضايا الدولية الراهنة، وتعميق التنسيق بين البلدين، في إطار منظمات كالأمم المتحدة ومنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة بريكس. ومن الجدير بالذكر أن دول الهند والبرازيل والصين وجنوب أفريقيا لم تكتفِ بالامتناع عن الانضمام إلى العقوبات الغربيّة على روسيا، إنما أدانت تلك العقوبات، ووصفتها بأنها تنتهك القانون الدولي وقواعد العلاقات الدوليّة المتعارف عليها.
وانطلاقاً من هذه الخلفيّة السياسيّة، من المقرّر أن يلقي بوتين كلمة أمام مجلسي البرلمان الهندي، وسيحظى بفرصة نادرة لتوضيح وجهة النظر الروسية حيال ما يجري في العالم اليوم.
ويتخلل الزيارة، وفق الكرملين، "بحث قضايا مواصلة تعزيز التعاون الروسي الهندي المتعدد الأوجه، بما في ذلك تنمية التبادل التجاري والاستثمار المتبادل، وتعميق التعاون في مجال الطاقة النووية"، على أن يجري التركيز على "تطوير المشاريع ذات المنفعة المتبادلة في مجال الابتكار والتكنولوجيا المتطورة".

وفي سياق متّصل، تنقل صحيفة "نيزافيسيميا غازيتا" الروسية، عن وزير الصناعة والتجارة الهندي، نيرمالا سيثارامان، تأكيده أنّ زيارة بوتين إلى الهند، تأتي في الوقت المناسب، إذ إنّ "العديد من الحكومات أجبرتها مشكلة التباطؤ الاقتصادي العالمي على البحث عن طرق جديدة لزيادة النمو؛ والحكومة الجديدة في الهند مهتمة بمشاريع اقتصادية جديدة، وجذب المستثمرين ومزيد من انفتاح قطاعات الاقتصاد الهندي".

ومن المقرر توقيع حوالى 15 وثيقة مشتركة، بما فيها التعاون العسكري- التقني"، بحسب ما تنقله وكالة "تاس" عن سفير روسيا في الهند، ألكسندر كاداكين، في موازاة إشارة وزارة الدفاع الروسية، على موقعها الرسمي، إلى أنّ "التعاون في مجال الفضاء كان أحد الموضوعات الرئيسة في دورة نوفمبر/تشرين الثاني الماضي من اجتماعات اللجنة الحكوميّة الروسيّة الهنديّة المشتركة الخاصة بالتعاون التجاري الاقتصادي والعلمي التقني والثقافي بين البلدين". وينقل الموقع عن نائب رئيس مجلس الوزراء، ديمتري روغوزين، قوله في ختام أعمال اللجنة المذكورة: "الحديث يدور عن الرحلات الفضائيّة المأهولة والمشاريع المتعلّقة بتقاسم نظام الملاحة الفضائيّة الروسيّة غلوناس، على وجه الخصوص، وعن الإنتاج المشترك لوحدات استقبال إشارة غلوناس"، معتبراً أنّ "الإنتاج المشترك للمكونات الإلكترونيّة، والمشاريع الثنائيّة لصناعة أجهزة الفضاء، مع الهند مواضيع واعدةّ.

ومن المقرر أن يبحث الطرفان، وفق صحيفة "كوميرسانت"، مسائل التعاون المشترك بين الدولتين عموماً، وصناعة المروحيات والطائرات على وجه التحديد، كما سيناقشان إمكانيّة تحرير التجارة بين الهند والاتحاد الجمركي. وبحسب المصدر ذاته، فإن على جدول أعمال اللقاء، مسألة إنتاج مشترك لطائرات الركاب "سوخوي سوبر جت-100"، المخصّصة للمسافات القصيرة لتغطية السوق الهنديّة المحليّة، وبيعها في بلدان أخرى، إلى جانب مصلحة الجانب الهندي في طائرات الركاب الروسية المتوسطة المدى (MS-21)، وآفاق تسويق المروحية (كا226) في الهند لأغراض عسكريّة، والمعدّل منها للاستخدامات المدنيّة.
وفي السياق، تورد صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا"، أنّ مباحثات نيودلهي يمكن أن تنظر في إمكانية انتقال البلدين للتعاون في العملتين المحليتين في التبادل التجاري بينهما، ومن أجل ذلك يمكن الاتفاق على توسيع القطاع المصرفي الروسي في الهند. وتشير إلى أنّه للهند مصلحة في التعاون مع الاتحاد الجمركي، الذي يضمّ روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وصولاً إلى إنشاء منطقة تجارة حرّة بين الهند وهذا الاتحاد، في وقت تبدي فيه الهند اهتماماً بالتعاون مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي.
امتعاض واشنطن
ولما كانت الثمار المتوقعة من هذه الزيارة لا ترضي واشنطن، التي تعمل على مزيد من عزل روسيا سياسياً وخنقها اقتصادياً، فلم يتأخر البيت الأبيض في الإعلان عن نيّة الرئيس الأميركي باراك أوباما، زيارة الهند في نهاية شهر يناير/كانون الثاني المقبل. وذكرت وكالة "ريا نوفوستي"، أنّ "أوباما سيتناول في زيارته المقبلة تعزيز الشراكة الاستراتيجيّة بين البلدين وتوسيع آفاقها".
وتحاول واشنطن، وفق بعض الأوساط الروسيّة، "فرملة" عجلة التعاون الهندي مع روسيا، عبر وعود مغرية تقدمها إلى نيودلهي، الأمر الذي لا يتوقع المراقبون أن يؤتي ثماره، باعتبار أنّ الهند تبحث عن مصلحتها في علاقاتها مع الجميع، من واشنطن إلى تل أبيب فموسكو. مع العلم أنّ البيت الأبيض أفاد بأنّ زيارة أوباما للهند تأتي "بدعوة من رئيس وزرائها، وسيشارك بوصفه الضيف الرئيس في احتفالات يوم الجمهوريّة في دلهي".
وهكذا، من المستبعد أن تستطيع زيارة الرئيس الأميركي البروتوكولية عرقلة اتفاقات نيودلهي مع موسكو، التي سيكون لقاء بوتين مع مودي بمثابة تتويج لها، فيما موسكو عازمة على تعزيز روابط المصلحة المشتركة مع كل من لا يتبع واشنطن تبعيّة عمياء.