بوتين في فالداي: تطوير خطاب ميونيخ 2007

بوتين في فالداي: تطوير خطاب ميونيخ 2007

30 أكتوبر 2014
بوتين: أنا الأكثر قومية في روسيا (بيار ماركو تاتشا/Getty)
+ الخط -


استضافت مدينة سوتشي على مدى ثلاثة أيام (22 و23 و24 أكتوبر/تشرين الأول الحالي) منتدى الحوار الدولي "فالداي". ويُعد المنتدى الذي تمّ تأسيسه في سبتمبر/تشرين الأول 2004، المنصة الروسية الرئيسية، التي تجمع الخبراء الروس مع زملائهم من دول مختلفة لمناقشة القضايا العالمية.

وتمّ تأسيس المنتدى من قبل أربع جهات روسية: المجلس الروسي للشؤون الدولية، ومدرسة الاقتصاد العليا، ومعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ومجلس السياسة الخارجية والدفاع. وقد شارك في أعمال منتدى هذا العام 108 خبراء من 25 دولة. وطرح للنقاش موضوع "النظام العالمي: لعبة بقواعد أم بلا قواعد".

حول ذلك، ومن زوايا مختلفة، دار خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يبخل فيه بتحميل الولايات المتحدة مسؤولية النزاعات والمآسي التي يشهدها العالم اليوم، بما فيها الأزمة الأوكرانية، متهماً البيت الأبيض بتقويض منظومة الأمن الدولي وممارسة سياسة إملاء غير صالحة لإقامة شراكات ندية.

واتسم خطاب بوتين الذي استغرق أكثر من 40 دقيقة بالشدة ووضوح المواقف حيال الولايات المتحدة والغرب الأطلسي. وجاء خطاب بوتين، كتأكيد لخطاب ميونيخ 2007، الذي نزع خلاله الرئيس الروسي قناع الصداقة عن الغرب في علاقته بروسيا. وقد مهّد بوتين لخطابه بالقول "لن أخيب آمالكم، سوف أتحدث بصورة مباشرة وبوضوح. وبعض الأشياء قد تبدو مفرطة القسوة".

وشدد بوتين على تغيّر قواعد اللعب، مؤكداً أنه "آن الأوان لبحث القواعد الجديدة التي لا يُمكن أن تضعها الولايات المتحدة وحدها بما يحقق مصالحها دون الآخرين". وأضاف "الحرب الباردة انتهت. ولكنها لم تنته بعقد سلام، وباتفاقات واضحة وشفافة حول التقيد بالقواعد الموجودة أو وضع قواعد ومعايير جديدة. فتشكّل انطباع، مفاده أن ما يسمى منتصرين في الحرب الباردة، قرروا الضغط لإعادة تشكيل العالم وفق مصالحهم حصراً".
وأضاف "مفهوم السيادة الوطنية، بالنسبة لمعظم الدول، بات مسألة ذات أبعاد نسبية. وفي الجوهر، تم الدفع بصيغة: بمقدار الولاء لمركز النفوذ في العالم تكون شرعية هذا النظام الحاكم أو ذاك". قبل أن يتوقف عند مبدأ "الاستثنائية" الذي تدفع به واشنطن لانتهاج سياسات تتجاوز فيها الأمم المتحدة، من منطلق "يحق للولايات المتحدة ما لا يحق لغيرها".

ولفت إلى أنه "ربما تكمن استثنائية الولايات المتحدة في الطريقة التي تحقق فيها زعامتها". وسخر من ادّعاءات الخير في السياسات الأميركية، في مقابل اتهام الآخرين بالشرّ. وسأل "هل أن استثنائيتها تكمن أيضاً في الإقرار بأن تدخلها على نطاق واسع في شؤون جميع دول العالم، يحمل السلام والرخاء والتقدم والازدهار والديمقراطية، وبالتالي فما علينا إلا الاسترخاء والاستمتاع؟ سأسمح لنفسي بالقول إن الأمور ليست كذلك. ليست كذلك بالمطلق".

ومن الواقع السوري، استقى الرئيس الروسي مثالاً "قام الولايات المتحدة وحلفاؤها، وبصورة مباشرة، بتمويل المقاتلين وتسليحهم في سورية، وهي تنغمس في تجديد صفوفهم بمرتزقة من مختلف الدول، حتى تحوّل ما يسمى بالدولة الإسلامية (داعش) السيئة الصيت، إلى قوة عسكرية حقيقية". ورأى أن "الولايات المتحدة تتحمل نتائج رغبتها في الانفراد بقيادة العالم واشتغالها على إلغاء أي قطب آخر يمكن أن يتشكل، عكس ادّعاءاتها".

وأشار إلى أنه "تبيّن أن العالم الأحادي القطب غير مريح وصعب الإدارة بالنسبة لمن عيّن نفسَه زعيماً له. ومن غير المهم من يشغل موقع مركز الشر، بدلاً من الاتحاد السوفييتي: إيران كدولة تسعى إلى التقنية النووية أم الصين كأكبر اقتصاد في العالم، أم روسيا كدولة نووية عظمى". وأضاف "مع ذلك، فتشكيل ما يسمى عالم متعدد المراكز، لا يعزز الاستقرار، بل على العكس من ذلك، تتحول مهمة تحقيق التوازن العالمي إلى لغز معقد في معادلة كثيرة التعقيد".

ولم يفت سيد الكرملين أن يذكر بعودة واشنطن إلى سباق التسلح، فقال "كان خروج الولايات المتحدة بصورة أحادية الجانب سنة 2002 من معاهدة الدفاع الصاروخية، ثم بدأوا بإنشاء منظومتهم العالمية المضادة للصواريخ. إننا ننزلق من جديد إلى تلك الأزمان، حين كان الخوف سائداً بدلاً من توازن المصالح والضمانات المتبادلة، وحين جنّب توازن القدرة المتبادلة على الإبادة البلدين المواجهة المباشرة".

وأضاف أن "الخطر المقبل الواضح للعيان، هو خطر تصاعد النزاعات على خلفية إثنية ودينية واجتماعية. ومثل هذه النزاعات تشكّل خطراً ليس فقط بذاتها، بل لأنها تشكّل مناطق خارجة عن القانون تعمّها الفوضى، ويشعر فيها الإرهابيون والمجرمون بالراحة، وتنشط فيها القرصنة والاتجار بالبشر والمخدرات".

وتابع "بالمناسبة فإن زملاءنا (الأميركيين) حاولوا في وقت ما إدارة هذه العمليات وتوجيهها واستغلال النزاعات الإقليمية وتصميم الثورات الملّونة من أجل تحقيق مصالحهم، لكن العفريت خرج من القمقم. أمّا ما الذي يمكن فعله به، فأمر يبدو أن مبتكري نظرية الفوضى الخلّاقة أنفسهم لا يعرفونه".

وخلص بوتين إلى "ضرورة العمل على قواعد جديدة، تجنّب العالم نتائج اللعب الأميركي الخطير". وجزم أنه "قد آن الأوان للاتفاق على مسائل مبدئية، فالعلاقات الدولية يجب أن تُبنى على القوانين الدولية التي ينبغي أن تتأسس على المبادئ الأخلاقية كالعدالة والمساواة والحقيقة".

وأضاف "اختارت روسيا أولوياتها، كالاستمرار بتطوير مؤسساتها الديمقراطية واقتصادها المفتوح، وتسريع التنمية الداخلية، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الاتجاهات الإيجابية في العالم المعاصر، وترسيخ مجتمع قائم على القيم التقليدية والوطنية. لدينا جدول أعمال تكاملي، سلمي إيجابي، ونعمل بنشاط مع زملائنا في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وفي منظمة شنغهاي للتعاون، وبريكس، وشركاء آخرين. جدول أعمالنا، موجه نحو تطوير العلاقات بين الدول وليس تفريقها".

وختم في معرض إجابته عن أسئلة المنتدين في "فالداي"، حول نزعته القومية "الأكثر قومية في روسيا؟ أنا. ولكن النزعة القومية الأكثر صحة هي التي توائم بين الإجراءات والسياسات بحيث تصب في مصلحة الشعب". وردّاً على سؤال عن طموحات موسكو بزعامة عالمية، قال "هل تطمح روسيا إلى دور الزعامة بوصفها قوة عظمى؟ لا. فذلك يشكل عبئاً علينا، ولا حاجة بنا إليه. ولكن، لا تتدخلوا في شؤوننا ولا تنصّبوا أنفسكم حكاماً على مصير العالم بأسره. هذا كل شيء. وإذا كان هناك زعامة ممكنة لروسيا في شيء ما، ففي الدفاع عن قواعد القانون الدولي".

المساهمون