بدو تونس: قوّة اقتصاديّة خارج حدود الزمن

بدو تونس: قوّة اقتصاديّة خارج حدود الزمن

07 نوفمبر 2015
البدو توارثوا مهنة تربية ورعي الإبل والأغنام (العربي الجديد)
+ الخط -
يطلقون عليهم اسم "نجع قمرة"، هم قبائل رحّل يعيشون في تونس منذ قرون بالطريقة نفسها، توارثوا أجيالا بعد أجيال مهنة تربية ورعي الأغنام والماعز والإبل.
وتتميّز طريقة حياة قبائل البدو في تونس برحلة الشتاء والصيف، فهم يقضون شتاءهم في مواطنهم الأصلية، وهي غالبا ما تكون ولايات الوسط والساحل التونسي، وينتقلون صيفا إلى الشمال الغربي بحثا عن العشب والعلف لقطعانهم، التي تمثل مصدر رزقهم الوحيد.
وينتقل البدو ليلا على ضوء القمر في ليالي الصيف المقمرة، وهو ما جعل اسم "نجع قمرة" يلتصق بهم.
عندما التقتهم "العربي الجديد" كانوا بصدد حزم أمتعتهم إيذانا بانتهاء الموسم الصيفي، استقبلنا شيخ القبيلة محمد الخذيري مؤكدا أن موسم الهجرة نحو الشمال انتهى هذا العام وأنه أمر أفراد القبيلة بالاستعداد للعودة نحو مقرهم الشتوي.
وتعد تربية الأغنام النشاط الرئيسي لهذه القبائل، إلا أن موارد رزقهم متنوعة ولهم عدة أعمال موازية ترتبط أساسا بالنشاط الفلاحي، فهم يبيعون حليب الأغنام لمصانع الأجبان في الربيع ويبيعون حليب الناقة بـ10 دولارات لليتر الواحد للباحثين عن الشفاء من مرضي السكري والسرطان.
وقد أكدت زوجة شيخ القبيلة لـ"العربي الجديد"، أن لها زبائن يأتون لشراء حليب الإبل من حدود الجزائر، وهم أيضا يؤجرون بعضا من الجمال التي تربيها القبيلة في مواسم الأفراح لنقل العروس، على عادة الولي الصالح سيدي البشير، الذي يتبركون به، في جهة الشمال الغربي بمعدل 30 دولارا لليوم الواحد.
كما يقوم أفراد القبيلة، وفق شيختها، بمشاركة الفلاحين في الجهة في الحصاد بالطرق التقليدية في الأراضي الوعرة التي يتعّذر فيها دخول آلات الحصاد.

ويقوم أهالي القبيلة بتسويق مواشيهم سواء في الأسواق الأسبوعية للدواب أو في مواطن إقامتهم، حيث يبرمون الصفقات بآلاف الدنانير مع القصابين والوسطاء، وهو ما أكسبهم، نساءً ورجالا، خبرة كبيرة في عقد هذه الصفقات.
وبكثير من التحفظ، أكد الحاج خذيري أن القبيلة تبيع سنويا قرابة 400 خروف ولكن قطعانهم تناهز الـ1500 رأس غنم، أي أن مداخيلهم السنوية قد تبلغ 80 ألف دولار من ريع الأغنام فقط، دون بقية الأنشطة الأخرى إذا ما تم اعتبار أن معدل سعر الخروف الواحد قد يبلغ 180 دولارا، إضافة إلى المداخيل المتأتية من بيع الجمال، ذلك أن بيع "القعود" (صغير لا يتجاوز عمره الثلاثة أشهر) يتراوح بين 800 و1000 دولار.
وتمرّسهم بمهنة تربية الأغنام والإبل والماعز جعلت منهم أطباء بياطرة دون شهادات علمية. فرئيس القبيلة وكافة أبنائه يجيدون فحص الماشية ويساعدونها على "التوليد" في الحالات المستعصية. هم أيضا يكشفون عن الحمى القلاعية واللسان الأزرق وغيرها من الأمراض الأخرى، التي تصيب القطعان، وفق ما أكده محمد الخذيري.
خبرتهم هذه جعلتهم أيضا محل استشارة من قبل باقي مربي الماشية، الذين يستعينون بهم في الرعي إزاء مقابل مادي أو قطعة أرض يستغلونها في الرعي من بقايا موسم الحصاد، ذلك أن بقايا التبن و"القرط"، وهي من أشجار الزينة في الصحراء، تمثل الغذاء الأمثل للأغنام في الصيف، في حين يتم اللجوء إلى الأعلاف الأخرى على غرار الشعير و"القصيبة" في الشتاء، وهي حسب أهالي النجع ذات كلفة عالية وتثقل كاهلهم بالمصاريف.
رئيس القبيلة الذي أكد أنهم خلال هذه الفترة على أهبة الرحيل للعودة إلى قواعدهم الشتوية، سيقوم قبل الرحيل بعقد صفقات لبيع الخراف حتى يتمكن من جمع الأموال الكافية لمجابهة مصاريف الأشهر القادمة.
ولا تخلو حياة هذه القبائل من مخاطر تعرّض قطعانهم للنهب من قبل قطّاع الطرق ولصوص الماشية، بالإضافة الى مخاطر الطبيعة، حيث يخشى أهل القبيلة أمطار الخريف التي تجرف ما ادخروه من مؤونة على امتداد أشهر الصيف، وهو ما جعلهم يستعجلون الرحيل مع بداية فصل الخريف.
ورغم تعدّد وثراء الأنشطة الاقتصادية لقبائل البدو في تونس، إلا أن الجهات الرسمية لا تمتلك أي إحصائيات عن عدد هذه القبائل، التي تمثل شكلا اجتماعيا خارج القرن الـ21.
فالجبال والغابات والصحاري والبراري، تمثل الفضاء الأمثل لهؤلاء الأشخاص، على الرغم من ظاهر الوحشة والقفار التي تحيط بتلك المواقع.
فالكثير من التونسيين العاديين لا يقدرون على اتباع تلك المسالك الوعرة والأودية السحيقة والكثبان الرملية الموحشة ولا تجد غير الرعاة وبعض المغرمين بالطبيعة من يدخلونها ويخرجون منها بسلام.

اقرأ أيضا: الحكومة التونسية تشطب ديون 54 ألف مزارع

دلالات

المساهمون