بدء محاكمة "الممرض السفاح" نيلز هوغل في ألمانيا

31 أكتوبر 2018
اعترف هوغل بقتل ضحاياه المرضى (Getty)
+ الخط -

بدأ الادعاء الألماني، أمس الثلاثاء، في تقديم لائحة اتهام جديدة في محكمة أولدينبورغ(شمال غرب)، في حق من تعرفه ألمانيا بـ"الممرض السفاح"، نيلز هوغل. وتضم اللائحة هذه المرة 97 شخصاً قام بقتلهم، إضافة إلى 6 أشخاص قتلهم بعد أن حكم عليه بتلك القضايا بالمؤبد في 2008 و2015.

وقال القاتل نيلز هوغل في المحكمة، أمس: "نعم، ما اعترفت به قمت به"، وهو يشير إلى ذلك الرقم الضخم للمرضى الذين قتلهم، يضاف إلى تقرير الشرطة التي تعتقد أن الرقم الكلي قد يتجاوز 200 ضحية، وهو الرقم الذي تؤمن الشرطة بأنه الأقرب إلى الواقع.

وتصف الصحف الألمانية القاتل مع بداية جلسة محاكمته، بأنه "السفاح الأكثر قتلا في تاريخ ألمانيا لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية". وبحسب مكتب المدعي العام في بيان صحافي، فإن نيلز استخدم عقارات طبية، من بينها تلك الخاصة بتنظيم دقات القلب للتخلص من المرضى الذين كان يفترض به الاعتناء بهم.

بالنسبة إلى الألمان، الذين يتابعون مجريات محاكمة "القاتل المتسلسل"، إن ذلك يكشف مجددا مخاطر "النرجسية" القاتلة لدى بعض الناس، بغض النظر عن مكانتهم وطبقتهم الاجتماعية.

الصادم لمتابعي هذه القضية ما جاء في بيان المدعي العام، أنّ السفاح كان "يفعل ذلك بضحاياه ليستعرض مهاراته أمام زملائه ورؤسائه لإعادة إنعاشهم، ولمكافحة الملل على الجانب الآخر".

جذور القضية... ليالٍ من الرعب

أوضحت الشرطة الألمانية، أثناء تحضير القضية للادعاء لمحاكمة السفاح الممرض، أنه "كان يحقن المرضى بأدوية قاتلة لتسوء حالتهم ويتدخل هو بنفسه لمحاولة إنعاشهم وكثيرون منهم بدون فائدة".

بعض تفاصيل ما كان يجري في أروقة العيادات التي عمل فيها نيلز هوغل تبدو "وكأنها من فيلم رعب"، بحسب ما تنقل الصحف المحلية عن زملاء هذا الممرض. وبعض هؤلاء لم يكن على علم بما يجري، ورغم ذلك قالت إحدى زميلاته له يوما: "لا تدخل إلى غرفة مرضاي"، باعتبار أنه كلما كان في غرفة مرضى ساء حال الأخيرين.

ويتبين من القضية، أن علاقة نيلز بالقتل تطورت بين عام 2000 و2005 في أحد مشافي شمال ألمانيا في ديلمنهورست. ضحاياه كانوا بين سن 34 و96 سنة، وكان اختيارهم عشوائيا، ومن خلال حقنهم بأدوية تؤدي إلى توقف القلب أو تعقيدات طبية أخرى ساهم بنفسه في التدخل لإنعاش من أصيبوا بها.

وفي المرة الأولى، قام بحقن أحد المرضى بدواء خاص بضغط الدم، وساهم في إنقاذ السيدة التي كادت تموت. وتلقى القاتل ثناء من زملائه لأنه أنعشها. ووصف بنفسه شعوره، بحسب ما تسرب من التحقيقات معه في 2005، أنه "كان شعوراً بالرضا، وبالتالي كان علي القيام بذلك كلما شعرت بأني لست مرتاحاً".

يقضي هذا الممرض حكما سابقا بالسجن لـ15 سنة (مؤبد) لقتله عددا من المرضى والتسبب بإصابات دائمة لأكثر من 60 حقنهم بأدوية سامة. حكم على نيلز قبل 10 سنوات عن إحدى القضايا التي وجد فيها متلبسا وهو يحقن ضحيةً بدواء قاتل في 2005 من قبل زملائه في المشفى، وحكم عليه في تلك القضية 7 سنوات بتهمة "محاولة القتل". وفي محاكمة أخرى في أواخر 2014 وبداية 2015، تقدم عدد من أهالي الضحايا باتهامات بحقه بتهمة قتل أفراد من أسرهم أثناء تمريضه لهم، وجد نيلز مذنبا وحكم عليه مجددا 15 عاما.

بعد الحكم الأخير، 15 سنة سجنا، بدأت تتكشف القضية من خلال اعتراف نيلز لطبيب نفساني كان يجري له جلسات أثناء وجوده في السجن بأنه قام بقتل أعداد كبيرة ربما تتجاوز الـ30 مريضا، ورغم إصرار الادعاء على الاعتقاد بأنه قتل أكثر من 200، إلا أنه أمس اعترف بنحو 100 ضحية.

بالنسبة إلى مسؤول القضاة في أولدينبورغ، سبستيان بورمان، فإن الهدف من الدعوى القضائية الجديدة، التي بدأت أمس، "لتوضيح كامل جوانب كل قضية ساهم فيها بقتل متسلسل لضحايا كانوا مرضى، فنحن نود الوصول إلى الحقيقة، إذ إنها قضية كغرفة مظلمة في أحد المنازل".

وللوصول إلى الضحايا الذين يشك في أن نيلز قتلهم بحقنهم بأدوية قاتلة، قام الادعاء منذ 2005 بدراسة 200 حالة وفاة حيث عمل الممرض القاتل، باستعادة فتح قبور 130 وتشريح جثثهم، فيما لم يستطع التأكد من البقية بسبب حرق الأهل جثث المرضى المتوفين.

ووفقا لما يرشح في الجلسة الأولى لمحاكمته عن بقية الضحايا، فإن الممرض القاتل نيلز هوغل يقول: "منذ بداية حياتي المهنية (كممرض) كنت أرزح تحت ضغوط كبيرة، وبدأت أتعاطى الأدوية المسكنة". وفي رد على أسئلة الادعاء حول "الخلفية الشخصية"، حاول القاتل تبرير أفعاله بأن "التوتر والضغوط أدت به لقتل المرضى". فيما التقارير النفسية تجده "نرجسيا يعاني من أمراض عديدة جعلته يتلذذ بحقن المرضى ومحاولة نيل إعجاب محيطه".

وأكد رئيس الأطباء في مستشفى الأمراض النفسية في مدينة هام، كارل بيني، التي فحص فيها الأطباء القاتل نيلز هوغل، أن "قيام ممرض بقتل المرضى يقوم غالبا على اختلال في شخصيته، ويشعر بأنه غير آمن ويكون مضطرا لاختيار المهنة التي تعبر أساسا عن رعاية لم يتلقاها بنفسه في حياته، ومن يختار ذلك عمدا يكون لديه آمال بأن يحسن احترامه لنفسه وكسب سمعة عالية بين الجمهور والمحيط".

وقال هذا الطبيب بعد فحص دقيق لأسباب قتل الممرضين للمرضى الذين يفترض بهم رعايتهم، إنه: "حين لا تتحقق الآمال التي عقدوها، وبدل حصولهم على الثناء يبدأون الشعور بأنهم (الممرضون القتلة عموما)، فإن شخصياتهم تصاب بزعزعة كبيرة حين لا يتم الاعتراف بخبرتهم ويشعرون بإهانة وهزيمة. ومن هنا تبدأ النظرة السوداوية واكتساب شفقة على الذات، وفي نهاية المطاف تصبح معاناة المرضى لديهم غير مثيرة للشفقة، ويبدأون بالقتل لإثارة الإعجاب والثناء"، وذلك وفقا لتصريحاته لصحيفة فيستفاليش روندشو.


وقبل بدء جلسة أمس في محكمة أولدينبورغ، تصرف القاضي سبستيان بورمان بطريقة لافتة حين طالب الحضور بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، وأردف موجها كلامه لأسرهم: "جميع أحبائهم يستحقون أن نتذكرهم، بغض النظر ما إذا كان هوغل (القاتل) فعل شيئا ليموتوا أم لم يفعل".


وتفتح قضية القاتل نيلز هوغل الباب على مصراعيه حول قيام ممرضين وممرضات وأطباء في بعض الدول الأوروبية بقتل مرضاهم لأسباب عديدة تبرر أحيانا باسم "الشفقة" و"الموت الرحيم"، وتنتشر مثل هذه القضايا في عدد من دول الشمال الأوروبي، حيث تمنع القوانين مساهمة العاملين بالقطاع الطبي في تقديم أية مساعدة نشطة للمرضى الذين يعانون من أمراض ميؤوس منها.


وتستمر محاكمة الممرض القاتل هوغل حتى العام المقبل 2019، مع رغبة الادعاء في الكشف عن تفاصيل كل قضية وكيف جرى القتل داخل المستشفيين حيث عمل هذا الشخص ممرضا فيهما في شمال ألمانيا.

دلالات