باكستان: عملية "خيبر واحد" العسكرية تنقل الحرب نحو المدن

باكستان: عملية "خيبر واحد" العسكرية تنقل الحرب نحو المدن

04 نوفمبر 2014
سيستولد النزوح مشكلة أخرى (أمير قريشي/فرانس برس)
+ الخط -



بعد أن أطلقت القوات المسلّحة الباكستانية عملية "ضرب العضب" العسكرية ضد مسلّحي حركة "طالبان" ومقاتلين أجانب في مقاطعة شمال وزيرستان، في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي، توجّه بعض المسلّحين نحو أفغانستان، بينما توجّه معظمهم، الذين ينتمون إلى منطقة القبائل الباكستانية، صوب مقاطعات قبلية أخرى، في مقدمتها مقاطعة خيبر القبلية، المحاذية للحدود الأفغانية من جهة، ومدينة بيشاور، عاصمة إقليم خيبر بختونخوا من جهة أخرى.

ومنذ ذلك الحين بدأ الحديث حول خطر هذه المقاطعة على أمن المدن الباكستانية، خصوصاً مدن الشمال الغربي، القريبة منها كبيشاور، ومردان وشارسدة. لذا برزت دعوات لإطلاق عملية عسكرية ضد "طالبان" في المقاطعة، في ظلّ تزايد وتيرة أعمال العنف والاغتيالات التي تستهدف عناصر الأمن وأبناء الأقليات ومسؤولين حكوميين في بيشاور أخيراً. وزعمت السلطات أن المسلحين ينفذون الهجمات في المدينة ثم يفرون إلى مقاطعة خيبر المجاورة.

في هذه الأثناء بدأت وسائل الإعلام تتحدث عن وجود مؤيدين لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في باكستان، ولمّحت إلى أن مقاطعتي خيبر ومهمند القبليتين، قد تكونان موطئ قدم لتنظيم "الدولة" في المنطقة. وما عزز هذه الفكرة هو توزيع منشورات ومجلات باللغة المحلية في مقاطعة خيبر وبيشاور، تدعو إلى تأييد ودعم "داعش" لإقامة الخلافة الإسلامية. لذلك كان الجميع يتوقع أن تكون مقاطعة خيبر القبلية، الهدف الثاني للجيش الباكستاني بعد شمال وزيرستان، نظراً لخطورتها المتزايدة على أمن المنطقة.

وهو ما حصل فعلاً، إذ أعلن الجيش الباكستاني الأسبوع الماضي، عن عملية عسكرية في المقاطعة، سماها عملية "خيبر واحد" ضد "طالبان" والجماعات المسلحة المحظورة، ومنح المسلّحين ثلاثة أيام لإلقاء السلاح طواعية، كما طالب سكان المنطقة بإخلاء منازلهم.

وفي المقابل أمر المسلحون القبائل بعدم النزوح، وهددوا بتفجير منازل كل من يترك المنطقة أو يلقي السلاح. وقد فجّروا فعلاً نحو 20 منزلاً للمسلّحين الذين ألقوا السلاح أمام الجيش. كما ناشد المسلّحون قبائل المنطقة بالوقوف معهم أمام الجيش والقوات المسلحة.

لكن القبائل أبت ذلك، وبدأت حركة نزوح من معظم مناطق المقاطعة، وتحديداً من مناطق تيرا وباره وأكاخيل وكوكي خيل، ونزحت آلاف الأسر حتى الآن إلى بيشاور، كما نزحت مئات الأسر الأخرى إلى مقاطعة أوركزاي. وبحسب تقرير الحكومة المحلية في إقليم خيبر بختونخوا، فإن أكثر من ألفي أسرة دخلت حتى الآن إلى بيشاور وضواحيها.

وتبدأ حركة نزوح داخلية جديدة في باكستان في وقت يشكو فيه النازحون داخلياً من المقاطعات القبلية، لا سيما من مقاطعة شمال وزيرستان القبلية، من سوء تعامل السلطات الحكومية معهم، ويهددون بتنظيم اعتصامات واحتجاجات ضد الحكومة في العاصمة اسلام آباد، وفي بيشاور، إذا لم تُلبّ مطالبهم، والتي من أبرزها السماح للقبائل بالعودة إلى المناطق التي أعلن الجيش استعادتها من قبضة "طالبان" والجماعات المسلحة، ووقف الاعتقالات في صفوف النازحين، والإفراج عن المعتقلين، مع الإيفاء بالوعود التي حملتها السلطات على عاتقها مع النازحين.

ويعني هذا أن مع بداية حركة النزوح الداخلية من مقاطعة خيبر، ستتعاظم مهمة الحكومة الباكستانية إزاء النازحين داخلياً. ويرى المراقبون أن غياب خطة حكومية للتعامل مع وضع النازحين، الذين يعيشون في ظروف عصيبة، وتقدم عمليات الجيش نحو مناطق قبلية أخرى، يعقد الأمور، ويخلق فجوة بين الحكومة والقبائل.

ميدانياً، وعلى الرغم من المقاومة الشرسة من قبل المسلّحين، بدأ الجيش يتقدم نحو مناطق جبلية اتخذها المسلّحون مأوى لهم. لتدور خلال الأيام الماضية، أشرس معارك بين الطرفين، أدت إلى مقتل نحو 70 مسلحاً، بينهم قائد ميداني يُدعى إسرافيل، وهو ابن زعيم "جيش الإسلام" منجل باغ، فضلاً عن قيادات ميدانية متعددة في "طالبان" والجماعات المحظورة.

ومع أن المصادر العسكرية لا تتحدث عن خسائر الجيش، إلا أن المصادر القبلية أكدت أن "عدداً كبيراً من جنود الجيش قُتلوا وأصيبوا خلال المعارك الضارية، لا سيما في منطقتي باره وأكاخيل". كما تحدثت المصادر نفسها عن مقتل أكثر من 20 قبلياً، ومعظمهم قُتل إثر سقوط القذائف والصواريخ على منازل قبلية فقط في منطقة باره، المجاورة لبيشاور.

ومع بدء العملية العسكرية في خيبر تزايدت وتيرة الهجمات التي تستهدف رجال الأمن ومسؤولين حكوميين، بالإضافة إلى أبناء الأقليات في بيشاور وضواحيها، ما دفع قوات الأمن إلى شنّ حملة أمنية في ضواحي المدينة، لا سيما المجاورة لمقاطعة خيبر، كرينج رود، وباره كيت، وسربند وغيرها، وألقت القبض على عشرات ممن يشتبه بانتماهم للجماعات المسلحة وضلوعم في أعمال عنف.

ويخشى المراقبون من توجّه مسلحي مقاطعة خيبر نحو مدن بيشاور وشارسده ومردان وصوابي، المدن الرئيسية في شمال غرب البلاد، في محاولة لنقل المعركة إليها، خصوصاً أن المسلحين هددوا أكثر من مرة بنقل المعركة من المناطق القبلية إلى المدن الباكستانية.

كذلك يتوقع دخول بعض المسلحين إلى مقاطعتي كرم وأوكزاي القبليتين المجاورتين لخيبر. بالتالي تزداد الخشية من احتمال اندلاع حرب طائفية في المقاطعتين، إذ إن بعض مناطق كرم وأوركزاي تقطنها الأقلية الشيعية، ومع دخول المسلحين إليهما تتعاظم المخاوف من إمكانية وقوع حرب طائفية في المنطقة.

وأعلن ستة من قادة "طالبان"، ولاءهم لـ"داعش"، ومن بينهم أمير مقاطعة خيبر في الحركة فتح جل. ويخشى الخبراء العسكريون من فتح المسلحين، تحديداً أتباع الأمراء الستة في "طالبان"، جبهات متعددة ضد الجيش الباكستاني في كرم وأوركزاي ومناطق أخرى، ما سيزيد من الضغوط على القوات المسلحة التي تقاتل حالياً مع "طالبان" على أكثر من جبهة، كما أن الأمر سيزيد من معاناة قبائل المنطقة، وبالتالي قد تفضل بعضها، القريبة من الحدود، النزوح إلى أفغانستان، وهو ملف معقّد آخر في وجه الحكومة الباكستانية، التي لا ترضى في أي حال بنزوح القبائل الباكستانية إلى أفغانستان.

المساهمون