اَلْمُقَاوَمَةُ النَّاعِمَةُ

15 مارس 2017
+ الخط -
في أغسطس/ آب من العامِ 2008، أطلق النائبُ في المجلسِ التشريعي الفلسطيني، جمال الخضري، مصطلح "لا لحصارِ غزة"، إذ تفطّن منذ قرابةِ عشر سنوات، لدواعي الحصارِ الإسرائيلي الخانق لقرابةِ المليوني إنسان في القطاع، خصوصا بعد خروجِ السلطةِ الفلسطينية من قطاعِ غزة وإدارةِ حركةِ حماس شؤونِ القطاعِ الداخلية.
حاول الخضري أن يجدَ في "المقاومة الناعمة" وسيلةً لجذبِ أنظارِ متضامني ونشطاء وأحرارِ العالمِ إلى أهميةِ رفع ِالحصارِ عن قطاعِ غزة، وأن يعيشَ مواطنوه حياةً كريمةً، إلا أنّ الردَّ الإسرائيلي كان بعد ثلاثةِ أشهرٍ تقريباً من إطلاقه مصطلح "لا لحصارِ غزة"، بشنِّ عدوانٍ على كل مرافقِ القطاعِ، في عدوانِ عامي 2008 و2009. وردّ الفلسطينيون على نتائجِه بمزيدٍ من إرسالِ الرسائلِ إلى الدولِ المجاورةِ والصديقةِ بأهميةِ رفعِ الحصارِ عن قطاعِ غزة، وزادت وتيرةُ التضامنِ الدولي مع القطاعِ، بتسييرِ سفنِ التضامن عبرَ البحرِ المتوسط، وتفعيلِ الحراكِ الدولي في الموانئِ العالمية، ورفعِ العلمِ الفلسطيني هناك، من أجل توسيعِ رقعةِ التضامن مع الفلسطينيين. نجح الخضري، ومن معه، في إيقادِ شعلةِ المقاومةِ الناعمة التي أدخلت الحكومةَ الإسرائيليةَ في جلساتٍ متعددةٍ، من أجل مناقشةِ منعِ دخولِ النشطاءِ إلى قطاعِ غزة عبرَ البحر، وفي الوقت نفسه، اعتبر المتضامنون القادمون إلى غزة ذلك تحدّياً جديداً يقفُ أمامَهم في الوصولِ إلى سواحلِ قطاعِ غزة، حاملين الأدويةَ والمعداتِ الطبيةَ، وبعضَ المساعداتِ الغذائيةِ إلى بعضِ الأسرِ الفقيرةِ في غزة.
تمكّن ما يقاربُ من 700 وفدٍ تضامني بواقعِ 15 ألفَ متضامن عربي وأجنبي من الوصولِ إلى قطاعِ غزة، من خلال سفنِ التضامنِ البحرية، ومعبر بيت حانون إيرز ومعبر رفح البري خلال عامي 2012 و2013، متضامنين مع قطاعِ غزةَ حاملين رسالةَ مواطنيه، إلى بقاعِ الأرضِ كافة.
ماذا فعلت إسرائيلُ بالمقاومةِ الناعمة؟ لم يعجبْ إسرائيلَ استمرارُ تدفقِ عشراتِ المتضامنين الأجانبِ إلي قطاعِ غزة، فمنعت وصولِهم واعتراضِ سفنِهم وقرصنتها والاستيلاءِ عليها، ووصل الأمرُ إلي الاعتداءِ عليها، وإطلاقِ النارِ وسقوطِ الشهداء، كما حدث مع سفينةِ مافي مرمره التركية في العامِ 2010. إسرائيل تريدُ إحكامَ السيطرةِ على قطاعِ غزة بالسبلِ كافةً، من أجلِ تضييقِ الخناقِ على سكانِه.
مشروعاتِ عديدة قائمةً، وتعملُ على خدمةِ آلافِ الآسرِ الفقيرة في المجتمعِ من ضحايا الحصارِ الإسرائيلي، كانت نتيجةُ الإيمانِ بنهجِ "المقاومة الناعمة". وأخذت تلك المؤسسات على عاتقِها خدمةَ أبناءِ الشعبِ الفلسطيني، في ظلِّ حالةِ الانقسامِ السياسي والحصارِ الإسرائيلي المتراكم منذ عشرِ سنواتٍ، وقد نشطت لجانٌ شعبيةٌ وفرعيةٌ ودوليةٌ في غزة، تنادي بضرورةِ إنهاءِ الحصارِ عن غزة، ومع ذلك ظلّ الحصارُ الإسرائيليُّ مفروضاً على القطاعِ.
بحثت في التاريخِ عن واقعٍ أشبه بالواقعِ الفلسطيني، وتحديداً بواقعِ قطاعِ غزة، فوجدت أنّ أميركا الديمقراطية فرضت حصاراً على كوبا الفقيرةِ، من أجل تركيعِ قيادتِها، لكنها فشلت بصمودِ الكوبيين وحنكتهم، ويستمرُ الحصارُ الأميركي لكوبا حتى الآن منذ قرابةِ 56عاماً.
إذن، لن تنجح تجارب الحصارِ الفاشلة عبر مرِّ العصورِ، هذه المرةِ، على أرضِ غزة، فهنا لا يكادُ يخلو مفترقُ طرق أو معلمٌ سياحي، أو نصبٌ تذكاري، حتى تجدَ له ارتباطاتٍ، إما بالحروبِ الثلاث على غزةَ، أو ضحية من ضحايا الحصارِ الإسرائيلي. خلدنا الموت حتى أصبحَ يمثلُ لنا ذاكرةً لا ننساها مع مرورِ الأيام، ولا زلنا ندفعُ ثمنَ صبرِنا وصمودِنا في 360 كم، هي مساحةُ شوكةٍ لا زالت في خاصرةِ إسرائيل، لا تجيد التعاملَ معها كلّما ضاقت بهم الأرضُ بما رَحُبت، لتختبرَ صبرَهم ألقوا عليها آلافَ الأطنانِ من البارودِ لحرقِ الأخضر واليابس فيها.
في غزة، نقاومُ بالفكرةِ بألوانِ الفنانين وبريشةِ الرسامين، بكلماتِ الشعراءِ وضحكاتِ الأطفالِ، بابتساماتِ النساءِ وهمةِ الرجالِ، بأحلامِ الفقراءِ في وطنٍ يجمعُنا تحت سقفٍ يخلو من الاحتلالِ وهديرِ الطائراتِ وذكرياتِ الحرب الأليمة.
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
8981FDE1-0454-4CBC-894E-2351C53A26E0
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)
أشرف أبوخصيوان (فلسطين)