انقلاب أم شيء آخر؟

05 يناير 2015
+ الخط -

أثار التقرير عن مصر، والذي بثته القناة المغربية الأولى، في اليوم الأول من العام الجديد، ردود فعل وتعليقات كثيرة في القنوات المصرية خصوصا، وفي الصحف، وعلى صفحات التواصل الاجتماعي. ولا تزال تداعيات ذلك التقرير تسيل مداد الكتاب وتعليقات المتتبعين على صفحات الإنترنت.
إن وصف التقرير المشير عبد الفتاح السيسي ممثلا للعسكر بالانقلاب على الرئيس محمد مرسي المنتخب بطريقة ديمقراطية، لا يجانب الصواب حقيقة قائمة، لكن ما يثير الانتباه ويغري بالتعليقات على التقرير، أن ملك المغرب، محمد السادس، هنأ السيسي، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية بنسبة 96 %، مما يذكّرنا باستفتاءات الراحل صدام حسين، غير أن نسبة المصوتين لم تتجاوز نسبة 47 %، كما أن حضور وزير الخارجية المغربي، صلاح الدين مزوار، حفل تنصيب السيسي يحمل اعترافا ضمنياً بالرئيس الجديد لمصر، فما الذي استجد؟
كثيرة الأخبار المتداولة حول هذا الانقلاب في الموقف الإعلامي المغربي الرسمي. لكن، ما يهمنا، هنا، مدى صحة الوصف الذي أطلقه التقرير حول الرئيس الحالي لمصر. والحقيقة أن الخبر صحيح بما لا يدعو إلى الشك. انقلاب عسكري مدعوم، وضخت أموال البترودولار في خزينة الدولة المصرية، مباشرة بعد تنحية مرسي عن كرسي الرئاسة؛ وقتل حوالى 500 من مناصري "الإخوان" في ميداني رابعة والنهضة، وعسكرة الشارع المصري، والانفلات الأمني المقصود في شبه جزيرة سيناء، واعتقال الصحافيين المخالفين لأطروحة العسكر، وإغلاق القنوات الإسلامية التي لم تزمر للانقلاب العسكري، ثم بعد ذلك محاكمات الإعدام المشهورة، وأخيراً تبرئة حسني مبارك من التهم الموجهة إليه، ومحاكمة مرسي ومحمد بديع، وبعض قيادات "الإخوان" بدعوى التخابر مع حماس.
الوصف، إذن، دقيق، وينطبق على السيسي وزمرته. وفي واقع الأمر، لا نجد إلا أن نقول إن ثورة الشباب المصري فشلت وسرقت منه. ركبها الإخوان، أولاً، ثم انتهت تحت أحذية العسكر، وعادت مصر، سنوات أخرى، إلى القبضة الحديدية والأمنية التي ظن شبابها أن ثورتهم المرتجلة قد قطعت معها من دون رجعة. لم تتسم ثورة 25 يناير بالنضج التام، وسقطت قياداتها في أخطاء قاتلة، أجهضت حلم الانعتاق من سجن الحاكم الواحد والحزب الواحد والرأي الواحد. ألقت دول الخليج بثقلها لإجهاض الثورة بأي ثمن، لمصالح تراها منطقية. ودفعت أخرى للحفاظ عليها حسب مصالحها هي كذلك. اعترف الغرب بالنظام الانقلابي تدريجياً، وسافر عبد الفتاح السيسي إلى كل قارات الكوكب، بحثاً عن الاعتراف به وبنظامه. تحقق له ما أراد. 
ماذا يمكن للمغرب أن يكسبه أو يخسره من خلال هذا الانقلاب في وصف نظام الحكم في مصر، فالمبادلات التجارية بين البلدين وصلت إلى 600 مليون دولار في الربع الأول من سنة 2014، ويميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح مصر. ومن المستبعد جداً أن يلجأ المغرب إلى التصعيد الاقتصادي مع مصر. مسألة أخرى تروج في الإعلام بشأن إمكانية لجوء مصر إلى الاعتراف بجبهة بوليساريو، نكاية في المغرب، وسعياً من مصر لكسب ود الجزائر، إذا علمنا أن السيسي زار الجزائر بعد توليه الحكم، وهي خطوة جد مستبعدة من نظام يعاني اقتصادياً وأمنياً، ويبحث جاهداً عن دول ريع تنقذه من الانهيار، وليس من مصلحته في شيء أن يوتر العلاقات مع دولة تعتبر حليفا لحلفائه الخليجيين. ثم إن مصر تسعى للتصالح مع قطر بمبادرة من السعودية. أما الحديث عن زيارة الملك محمد السادس إلى تركيا فلا وجه لمقارنتها بالزيارة الرسمية للسيسي إلى الجزائر.
وعموماً، من المستبعد جدا أن تتجاوز الأحداث ما وقع من تجاذبات بين وسائل الإعلام في كلا البلدين، واعتراف المغرب بالنظام المصري باق ومستمر، والعلاقات بين البلدين مستمرة رسمياً بشكل عادي، ما دامت مصر لم تستدع سفير المغرب في القاهرة لاستيضاح الأمور، ولم تستدع سفيرها في الرباط للتشاور. ومن غير المستبعد أن تكون القنوات التلفازية المصرية قد تلقت أوامر بعدم الخوض في المسألة بشكل متشنج، حفاظا على العلاقات مع المغرب.
 

 

03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
03E333AA-E795-49B3-966E-D7760D2E2B57
البشير بمكدي (المغرب)
البشير بمكدي (المغرب)