انفجار بيروت والوقاية الغائبة

انفجار بيروت والوقاية الغائبة

13 اغسطس 2020
+ الخط -

انفجار بيروت الذي أودى بحياة العشرات، وخلف آلاف الإصابات، وتسبب في خسائر اقتصادية باهظة، أظهر الوجه الآخر للمواد الكيميائية التي ساهمت في النمو الاقتصادي العالمي، ووفرت للبشرية الكثير من الضرورات، والكثير من وسائل الرفاهية، وهذا الوجه يتمثل في المخاطر المصاحبة لها، وأظهر كذلك أهمية الوقاية الغائبة عن ممارساتنا على المستوى الشخصي وعلى مستوى المؤسسات والدول.

حوادث نترات الأمونيوم

تحمل المواد الكيميائية عدة مخاطر منها: المخاطر الفيزيائية كالانفجار والاشتعال، والمخاطر الصحية كالإصابة بالتسمم والسرطان والحساسية، والمخاطر البيئية. وحادثة انفجار مرفأ بيروت ربما تكون الأسوأ بعد سلسلة من الحوادث المتعلقة بمادة نترات الأمونيوم.

ومن هذه الحوادث، الحادث الذي وقع في مدينة تولوز الفرنسية عام 2001، في مصنع (AZF) جراء اشتعال 40 طنًا من نترات الأمونيوم في حاوية للنفايات الكيميائية، وتسبب الانفجار في تدمير أجزاء كبيرة من المدينة، وأدى إلى مصرع 31 شخصًا وجرح الآلاف.

وفي أغسطس عام 2004، انفجرت عدة عربات قطار محملة بنترات الأمونيوم في مدينة رينغشون بكوريا الشمالية، وأدى الانفجار إلى سقوط 154 قتيلاً وإصابة أكثر من 1200 شخص، كما تم تدمير أكثر من 8000 منزل في المدينة.

وفي عام 2015، وقع حادث مدمر في ميناء مدينة تيانجين الصينية نتيجة انفجار 800 طن من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في مستودع البضائع الخطرة، وأدى الانفجار إلى مقتل 173 شخصًا وتدمير منطقة بأكملها.

مبدأ الوقاية ليس ترفًا وليس شعارًا يرفع في المناسبات وعند الكوارث، وينبغي أن يكون منهج حياة عند الأفراد والدول والمؤسسات الدولية من أجل حماية الأفراد وممتلكاتهم

مبدأ الوقاية الغائب

انفجار مرفأ بيروت أودى بحياة أكثر من 150 شخصًا، وتجاوزت الإصابات الخمسة آلاف، وتمّ تشريد ما يقرب من 300 ألف شخص، وخسائر مادية باهظة تتراوح ما بين 10 و15 مليار دولار، ناهيك بالآثار البيئية الأخرى التي خلفها، والدمار الشامل الذي تركه، والتأثير على الأمن الغذائي بتلف وتلوث مخزون لبنان من القمح، وهذا الانفجار الذي لم تعرف بعد أسبابه على وجه الدقة ازدادت خطورته نتيجة إهمال التدابير الوقائية والتخزين الخاطئ لحوالي 2700 طن من مادة نترات الأمونيوم الخطرة في المرفأ منذ عام 2014.

والوقاية هي الحفظ والصيانة والاتقاء، أما شرعًا فهي اتباع السبل الشرعية والعلمية الكفيلة بمنع حصول الضرر، وحكمها في الإسلام هو أنها واجبة، وبها تتم عبادة الله تعالى، والتقرب إليه بها ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة.

والوقاية مبدأ إسلامي، يقول الله عز وجل:{وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}. سورة البقرة: 195.  وقال تعالى:{وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. سورة النساء: 29. وفي السنة النبوية نجد قول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا ضرر ولا ضرار".

والوقاية فيها خير كثير، ولذلك قالوا في الأمثال "الوقاية خير من العلاج"، وقالوا أيضًا: "درهم وقاية خير من قنطار علاج"، ومع ذلك، لا تلقى الوقاية من المواد الكيميائية الخطرة الاهتمام المطلوب عند البعض، ولا يوجد إدراك لأهمية الوقاية من المواد الخطرة إلا عند حدوث الكوارث التي تحصد الأرواح وتصيب الممتلكات العامة والخاصة، وتدمر البيئة.

والشريعة الإسلامية بمنهجها الرباني جاءت من أجل الحفاظ على الكليات الخمس وهي: "حفظ الدين والعقل والنفس والنسل والمال"، وهذه الكليات تتحقق من خلال الوقاية، واتخاذ التدابير اللازمة التي تمنع الخطر والضرر، وتحمي الإنسان من التعرض لمخاطر المواد الكيميائية في البيت وفي أماكن الدراسة والعمل.

والوقاية فيها حفاظ على الأنفس التي قد تتعرض للخطر أو الموت، نتيجة التعرض المتكرر للمواد الكيميائية الخطرة أو الإصابة بطريقة عرضية. والوقاية فيها حفاظ على المال؛ لأن المخاطر والحوادث الناتجة عن المواد الكيميائية تتسبب في خسائر فادحة للممتلكات الخاصة والعامة.

والوقاية فيها حفاظ على النسل؛ لأن بعض المواد الكيميائية الخطرة لها آثار سلبية وخطيرة على الجينات التي تنقل الصفات الوراثية للأجيال القادمة. والوقاية فيها حفاظ على البيئة التي أمر الله عز وجل بالحفاظ عليها وعدم الإفساد فيها، يقول الله تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}. سورة الأعراف: 56.

ومن القواعد التي وضعتها الشريعة قاعدة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وهذه القاعدة تلفت انتباهنا إلى أهمية تجنب مخاطر المواد الكيميائية قبل الشروع في الاستفادة منها في مجالات الحياة المختلفة.

الوقاية في القانون

الوقاية مدخل هام للحفاظ على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة، والحفاظ على البيئة من التلوث بجميع أنواعه. وفي لبنان، تنص المادة الرابعة من المبادئ الأساسية في قانون حماية البيئة رقم (444) على: في إطار حماية البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، على كل شخص طبيعي أو معنوي، عام أو خاص أن يلتزم بالمبادئ الآتية:

أ‌- مبدأ الاحتراس، الذي يقضي باعتماد تدابير فعالة ومناسبة بالاستناد إلى المعلومات العلمية وأفضل التقنيات النظيفة المتاحة الهادفة إلى الوقاية من أي تهديد بضرر محتمل وغير قابل للتصحيح يلحق بالبيئة.

ب‌- مبدأ العمل الوقائي لكل الأضرار التي تصيب البيئة، من خلال استعمال أفضل التقنيات المتوافرة. وفي الفصل السادس المتعلق بالمواد الكيميائية، الضارة و/أو الخطرة، تحدد المادة الرابعة والأربعون شروط السماح بتداول المواد الكيميائية، ومنها:

د- شروط الإنتاج والخزن والتغليف والتصنيف والنقل والتسويق وإعادة التصنيع، الخاصة بالمواد موضوع هذا الفصل.

هـ- إجراءات المراقبة والتدابير التي يمكن فرضها لتأمين حماية البيئة، لا سيما في الحالات الطارئة.

و-  أصول تطبيق أحكام هذا الفصل على المواد الكيميائية الضارة و/أو الخطرة الموجودة على الأراضي اللبنانية بتاريخ نفاذ هذا القانون.

وفي قطر، تنص المادة (27) من قانون حماية البيئة رقم (30) لسنة 2002 على ما يلي: "على القائمين على إنتاج أو تداول أو نقل المواد الخطرة سواء كانت في حالتها الغازية أو السائلة أو الصلبة اتخاذ جميع الاحتياطات لضمان عدم حدوث أي أضرار بالبيئة".

ومبدأ الحيطة "يعني اتخاذ تدابير احترازية فعالة ومناسبة ومشروعة لمنع وقوع الأضرار البيئية والصحية الخطيرة والمحتملة أو التي لا يمكن تداركها، ويوجد بشأنها عدم يقين علمي حالي؛ وذلك حتى يتبين دليل علمي مؤكد بشأنها".

ومبدأ الوقاية Prevention، مبدأ تقليدي ورد في المادة (3) من ميثاق البيئة الفرنسي الصادر في مارس 2005، ويعني أن على كل شخص خاص أو عام واجب الوقاية من الاعتداءات التي يحتمل أن تقع منه على البيئة أو على الأقل الحد من آثارها، ومن أهم الوسائل لتحقيق هذا الهدف إجراء دراسة التقييم البيئي للمشروع.

ومبدأ الوقاية ليس ترفًا وليس شعارًا يرفع في المناسبات وعند الكوارث، وينبغي أن يكون منهج حياة عند الأفراد والدول والمؤسسات الدولية من أجل حماية الأفراد وممتلكاتهم، وحماية البيئة من المخاطر التي تتهددها، ودمتم سالمين.