انشغالات المغرب السياسية: همومٌ محلية وتواصُلٌ مع المشرق

انشغالات المغرب السياسية: همومٌ محلية وتواصُلٌ مع المشرق

31 مارس 2014
رئيس الوزراء المغربي بنكيران
+ الخط -

عاش المغرب الأقصى ربيعا سياسيا سريعا، عُرِف تحت اسم حركة 20 فبراير، وكانت مطالب هذه الحركة شبيهةً بِمَطالب كلّ الحركات الاحتجاجية في العالم العربي. ويمكن اختصارها في المناداة بالمواطنة الحقيقية ولإطلاق الديمقراطية وإحداث إصلاحات عميقة على الدستور الذي لم يَعُد يتجاوب مع تطلعات الشباب ولا مع تطوّر المجتمع. وبالفعل استطاعت الاحتجاجات الشعبية والشبابية أن تحرك الأجواء الراكدة.

وقد صبّ الشباب جام غضبهم على مؤسسة الحكم، "المَخْزَن"، وكادت الأمور تصل إلى ما لا تحمد عقباه، وهنا أدرك الملك محمد السادس أن التغيير ضرورة حتمية، فلم يُبادر إلى استخدام السلاح ضد شعبه، كما فعل الرئيس بشار الأسد ولا أن يقول "فهمتكم" بعد فوات الأوان.

يكاد يجمع المغاربة على هناك أن جهات فاعلة في مؤسسة "المخزن" كانت ولا تزال ضد أي إصلاح، ولكن الملك أدرك أن الإصلاح لا مفر منه لمراعاة هواجس شبيبة مستعدة، هذه المرةـ، أن تقدم شهداء وأن تذهب بمطلبها بعيدا. فكانت فكرته عن دستور جديد يحل محل القديم ويأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية. وقد استطاع بهذا الاقتراح أن يستوعب هذه الحركات الاحتجاجية، وأن يُقسِّمها حتى يخفت صوتها، مقترحا دستورا جديدا، لا يمكن وصفُهُ بالراديكالي، لأن سلطاتٍ واسعةً ظلت في يد الملك، مع نقل بعض الصلاحيات إلى رئيس الحكومة المنتخب. وقد جاءت انتخابات برلمانية على ضوء هذا الدستور، أعطت التيار الإسلامي أغلبية نسبية تمنحه حق تشكيل الحكومة مع حلفاء سياسيين آخرين. فكان عبد الإله بنكيران أول رئيس حكومة منتخب وفق الدستور الجديد، الذي ساهمت الاحتجاجات الشعبية والشبابية في انبثاقه.

لا يلبّي الدستور الجديد كُلَّ تطلّعات الشعب ولا مطالب حركة 20 فبراير، ولكنه استطاع، بشكل ما، أن يَحفظَ السِّلْم الأهلي في هذا البلد، وهو إنجازٌ كبير، حقا. وقد اعترف الملك الراحل الحسن الثاني، وهو يحاول إقناع الاشتراكي المعارض عبد الرحمن اليوسفي بالمشاركة في حكومة التناوب، بأن المغربَ "مُهدَّدٌ بالسكتة القلبية". ولم يكن الأمر غير ذلك، لأن الاحتقان السياسي كان على أشده، وكانت الأزمة الاقتصادية خانقة.

مع هذا الدستور الجديد، على نقائصه (العديد من الأحزاب السياسية والتيارات السياسية اعتبرته ناقصا ولا يلبي طموحات الشعب المغربي!)، بدأ المغاربة يتعلمون الديمقراطية وممارستها. ولا يمكن لأي مراقب أن ينفي أن وُصُول الإسلاميين إلى الحكم تم في ظروف شفافة، وأن بنكيران، وفق الخريطة السياسية الحالية، هو الأجدر بترأس أول حكومة مغربية.

الديمقراطية لا تأتي دفعة واحدة، وهي ليست وصفة جاهزة. إنها ممارسة يومية، قابلة للتعديل والتطوير. والأحزاب السياسية تتعلم، وهي تُمارِسُ.

وقد تتبع الشعب المغربي، بأمل كبير، وصول بنكيران إلى رئاسة الحكومة، بعد عقود من تعاقب حكومات، يمينية ويسارية، لم تترك أثرا إيجابيا على المشهد السياسي والاجتماعي المغربي. وكان الشعب مطمئنا لأن الحراك الشعبي توقف دونما عنف ودماء، وهذا إنجاز كبير، في حد ذاته، للمؤسسة الملكية وللطبقة السياسية المغربية.

والحقيقة، هي أن بنكيران ومن ورائه حزبه، استطاع، رغم دخوله المعترك السياسي، لأول مرة، أن يتأقلم مع الوضع الجديد. وليست براغماتية بنكيران بعيدة عن الأمر، على الرغم مما يُشاعُ عن عناده وسرعة غضبه.

صحيح أنه مرغمٌ أن يشكل حكومة ائتلافية، لأنه لا يمتلك الأغلبية المطلقة، ولكنه استطاع الانفتاح على أحزاب سياسية مختلفة لا تشاطره الكثير من أفكاره، ومنها حزب التقدم والاشتراكية (الشيوعي)، وأحزاب يمينية أخرى كانت في السلطة في فترة أو أخرى. وهذا درسٌ جيّد، تعلمته حركة النهضة التونسية، بذكاء حادّ ومسؤولية قصوى، فتمخض عنه أول دستور ديمقراطي شفاف في تاريخ تونس.

لم يُجافِ بنكيران الأحزاب السياسية الوطنية الكبرى، واقترح عليها المشاركة في الحكومة، فَقَبِلَ بعضُها ورفض البعض الآخر. وهذه براغماتية تُحسَب لبنكيران.

يعرف بنكيران أن الحكم صعب. ليس فقط لأنه يمارسه لأول مرة، بل لأن المؤسسة الملكية متجذرة وقوية وتغار على كل مكتسباتها ومصالحها، وغير مستعدة لتقاسم كل شيء، وقد عبر رئيس الحكومة غير ما مرة عن تذمره بسبب عصيّ وكوابح تُنصب له من قِبل بعض المحسوبين على القصر. تتداخل المصالح أحيانا وتتصادم، فيَصبر بنكيران ولا يصرخ. السياسة صبر وجَلَدُ، ولا يتوقف بنكيران عن التأكيد أن مصلحة البلاد والعباد تتطلب كل التضحيات.

ليست المؤسسة الملكية و"المخزن"، وحدهما من يراقبه ويُحصي خطاه، بل إن الأزمة الاقتصادية الصعبة، أيضا، تحدّ من طموحه وتوقف العديد من مشاريعه. والحقيقة أنه يجب تصديق الرجل حين يتأسف على حالة "اتحاد المغرب العربي" الحالية، والتي كانت قادرة، في حالة تفعيلها على تحسين الاقتصادات المغاربية جميعا.

لا يخفي بنكيران قلقَهُ من مأساة سوريا ولا يخفي، أيضا، تعاطفه مع الشعب السوري وثورته، ويضع يده على قلبه من تطور الأوضاع في مصر، حيث أطيح برئيس شرعي وتم إيقاف مسلسل ديمقراطي لا لُبس فيه، ولكنه لا يجرؤ على قول ذلك، لأن المجال السياسي ليس من اختصاصه، وهو يعرف ذلك. وهذا من نقائص الدستور الجديد...

لربّما يقول في سره، إن الشعب حين تنضج ديمقراطيته سيفرض على السلطة السياسية تنازلات أخرى...

أما الصحراء الغربية، التي لاتزال لحد الساعة موضع صراع إقليمي، فهي الجرح الكبير في هذا المغرب العربي الكبير. وكم كان أملُ بنكيران كبيرا حين اعتقد أن تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع الجار الجزائري كفيلة بحل هذا المشكل، ولكن ماضي العلاقات السياسية المتوتر، منذ استقلال الجزائر، سرعان ما خفف من طموحه.

جرح الصحراء الغربية لا يزال يشل اقتصاد البلد ويربكه سياسيا وحقوقيا على الصعيد العالمي ويكلفه جهدا، كان بالإمكان استخدامه للتنمية. التنمية التي تنتظرها ساكنة تقترب من الأربعين مليون نسمة، بقوة.

المساهمون