انتقاء الأولويات القاتلة

19 يوليو 2014

أعمال تشييد مبنى الأمم المتحدة في مانهاتن (1950/Getty)

+ الخط -

ثارت دونيتسك ولوغانسك، شرقي أوكرانيا. رمت روسيا بثقلها معهما. انتفض المجتمع الدولي ضد موسكو. كييف تسعى إلى فتح "دفرسوار" إنساني، لمساعدة المنكوبين في الشرق الأوكراني. المجتمع الدولي لم يتخلّ عن حكومة العاصمة، حتى الآن. كل شيء يبدو متاحاً لأوكرانيا في اللعب ضد روسيا، بمعونة غربية. إنه التضامن الغربي بأبهى حلله.

قصفت إسرائيل قطاع غزة. ارتكبت جرائم حرب مُمنهجة. أدار العالم وجهه، عن تهدئة تحفظ حقوق الشعب الفلسطيني. "لينتفض" الكوكب "لمَ إطلاق الصواريخ من قطاع غزة؟". نعم. لماذا؟ عليكم البقاء محاصرين، ممنوعين من الحياة. عليكم الموت ببطء، ضمن شروطنا، لا ضمن شروطكم. وإن لم يعجبكم الأمر، فلن يكون في وسعكم فعل شيء. نحن العالم والعالم نحن. إنه الصمت الغربي في أقسى صوره.

بشار الأسد: أقسم يمينه الثالثة، رئيساً للجمهورية العربية السورية. لا أزمة، لا نازحين، لا ثورة، لا حرب أهلية هناك. فقط "مشكل بالحيّ". لحظة. نريد التأكد: هل هي حرب أم ثورة؟ يستلزم الأمر أكثر من ثلاث سنوات، لإدراك ذلك. ربما نذهب إلى ولاية رابعة، قبل فهم "جوهر القضية السورية". المجتمع الدولي يريد تقديم مساعداتٍ لأكثر من أربعة ملايين سوري. مساعدات مشروطة، مهيّضة الأجنحة، وإلا... تلك الـ"وإلا" يُمكن أن يقولها زعيم شارع، لا المجتمع الدولي. إنه الوجع الإنساني الأسوأ.

نوري المالكي: ولاية ثالثة أو خراب البصرة. البصرة وبغداد والموصل وديالى والأنبار.. كلها مدن عراقية، تتهاوى على وقع نية رئيس الوزراء المنتهية ولايته التمديد لولاية ثالثة، بمباركة إيرانية – أميركية. لا يريد المجتمع الدولي إدراك أن هناك شعباً تعرّض لكثير من عسف المالكي، بل يريد التأكد من أن "الجميع هم من أنصار داعش". "داعش" التي ماتت فور ولادتها. تماماً كما حصل، حين تمّ اتهام أطفال كابول بأنهم من حركة "طالبان"، لتبرير الغزو الأميركي لأفغانستان في 2001. قُتل أطفال كابول، باسم الحرية والديمقراطية. إنه الغرب في أزهى تطوّره.

انتقاء الأولويات سمة غربية بامتياز. لا يتعاطى المجتمع الدولي مع الشرق بمنظار "الأولوية الإنسانية"، بل بمفهوم "الأولوية السياسية والاقتصادية". "الانتقاء" يكلّف الملايين حيواتهم، ويعيد رسم خرائط ديمغرافية وجغرافية عدّة. "الانتقاء" يقتل الفعل الأساسي، ويترك الحرية لِردّات الفعل المحسوبة، وغير المحسوبة. "الانتقاء" يتيح وضع ملفاتٍ برّمتها في ثلاجة الانتظار. الملفات تعني بلداناً، بشراً، حياة وموتاً، لكنها ملفات، بنظر الباحثين والدارسين، مهما مات وقُتل من البشر.

الفارق بين إنسان وآخر في العالم يتمحور كالتالي: يسحب سفير أممي هاتفه، يحادث دولته. يموت بشر. يقفل هاتفه، ويطلب سفيراً أممياً آخر. يموت بشر. يتفق السفيران على عقد جلسة أممية لبحث قضية "ملحّة". يموت بشر. يرفعان الطلب معاً إلى رئاسة مجلس الأمن. يموت بشر. لسببٍ ما يتمّ تأجيل الجلسة، يوماً، يومين، أسبوعاً... يموت بشر. يخلد السفيران إلى النوم، والبشر إلى الموت الأبدي. هذا هو الفرق بيننا كبشر على هذا الكوكب.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".