انتهت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة في الجزائر من دون مفاجآت سياسية كبيرة، إلا أن القراءة السياسية في النتائج، كشفت عن استمرار هيمنة الحزب الحاكم بقيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الخارطة الانتخابية، وإحكام قبضته على المؤسسة النيابية، والتي قد تكون لها دور بارز في الاستحقاقات السياسية والدستورية المقبلة، وفي أفق الانتخابات الرئاسية المقبلة ومشاريع تعديل الدستور والتمديد الرئاسي.
حسم حزب "جبهة التحرير الوطني" انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة (الغرفة الأولى للبرلمان) لصالحه، بعد فوزه بـ29 مقعداً من مجموع 48 مقعداً تمّ التنافس عليها، متفوقاً على غريمه "التجمّع الوطني الديمقراطي"، بقيادة رئيس الحكومة أحمد أويحيى، الذي لم يحصل سوى على 13 مقعداً، فيما حصلت "جبهة القوى الاشتراكية" على مقعديها في الولايتين اللتين تسيطر عليهما، وهما تيزي وزو وبجاية. وأحدثت "جبهة المستقبل" مفاجأة سياسية بفوزها بمقعدين، وحصل حزب "تجمّع أمل الجزائر" على مقعد واحد، كما فاز مرشح مستقل بمقعدٍ أيضاً. وخرجت "حركة مجتمع السلم"، كبرى الأحزاب الإسلامية في الجزائر خالية الوفاض من دون أي مقعد، ولم يكن لمرشحيها أية قدرة على المنافسة في هذه الانتخابات، التي قاطعتها أحزاب معارضة أخرى، بسبب عدم أهميتها على الصعيد السياسي والتأثير التشريعي.
ولا يبدي الرأي العام في الجزائر اهتماماً كبيراً بانتخابات مجلس الأمة، كونها انتخابات مغلقة لا تكون الهيئة الشعبية الناخبة معنية بها، ومرتبطة أكثر بأعضاء المجالس البلدية والولائية، إذ يترشح وينتخب في هذه الانتخابات حصراً أعضاء المجالس البلدية والولائية، لكنها بالنسبة للمراقبين محطة لاستقراء المتغيرات السياسية والخارطة الانتخابية والتوجهات العامة داخل الأحزاب السياسية وفي علاقة التحالفات الممكنة بينها. وعلى الرغم من الخلافات السياسية الحادة بين "التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة التحرير الوطني" و"حركة مجتمع السلم"، فإن سلسلة اتفاقات تمت بين هذه الأحزاب لتبادل أصوات الناخبين في عدد من الولايات.
في هذا السياق، رأى المحلل مبروك كاهي، أن "هذه النتائج تحمل مؤشرات سياسية باستمرار هيمنة الحزب الحاكم على الانتخابات، إذ أمكن لجبهة التحرير الوطني اختبار قوتها السياسية وانضباط ناخبيها". وأشار، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا يجب أخذ هذه النتائج في صيغة امتحان ناجح، لكون الاختبار الحقيقي هو بقاء جبهة التحرير على نفس القوة، في حال تغيّرت موازين القوى وغاب بوتفليقة عن الحكم تحت أي ظرف كان، خصوصاً أن الغريم السياسي، أي "التجمّع الوطني الديمقراطي"، يطمح ويطرح بشكل بارز رئيسه أحمد أويحيى خليفة لبوتفليقة".
واستُحدث مجلس الأمة، كغرفة ثانية في الجزائر بموجب دستور عام 1996، لإعادة قراءة ثانية للقوانين من دون أن يكون لديه حق تعديلها. ويضمّ المجلس 144 عضواً، يتم انتخاب 96 منهم عن طريق الاقتراع لمدة ست سنوات. وتتمثل كل ولاية من الولايات بمقعدين، فيما يعيّن الرئيس الثلث المتبقي المقدّر بـ48 عضواً. وتجري كل ثلاث سنوات عملية تجديد نصفي لـ48 عضواً، يكونون قد أنهوا عهدة من ست سنوات، فيما يعين رئيس الجمهورية بنفس المناسبة 24 عضواً جديداً خلال نفس الفترة.