انتحار المنطق في مصر

انتحار المنطق في مصر

31 يوليو 2014
+ الخط -


يتغزل الإعلام في الجنرال الوسيم، وترقص له النساء في الشوارع، ويذوب الرجال عشقاً فيه. بينما هو يطأطئ رأسه، ويتصنع النعومة، مبالغاً في تنهداته، مواصلاً همهماته، بكلام غير مفهوم، وجمل ليست مفيدة، ولا متزنة، يتحدث بصوت مبتذل ولغة ركيكة، فيصرخ الإعلام مفتتنا: "هييييييه.. ها قد جاء الدكر".

وصفوه بالمخلص الذي أنقذ البلاد من حرب أهلية محتملة، بينما صنع هو حرب إبادة حقيقية، وقضي على الخلافات بين التيارات السياسية، فما بين مقتول ومسجون، لم يعد من أحد يمارس السياسة. قتل المصلين وهم سجود، وأغلق المساجد وحرق بعضها، منع الاعتكاف، وأعدم الشيوخ والعلماء، وحارب الصلاة على النبي، وبعد هذا كله؛ يصفه الإعلام بالرئيس المؤمن.

يصرخ الإعلام فرحاً: "إنه البطل الذي شرّف مصر". يصنع انتخابات، وينصب نفسه رئيساً، يأتي له الزوار من داعميه، لكي يأمروه وينهوه، ويهلل الإعلام: "عادت لمصر مكانتها". انقلب على رئيس جمهوريته الشرعي، بدعوى حماية الجيش، حسبما يردد الإعلام وأتباعه، وبحجة أن الرئيس الشرعي أراد أن يغير في عقيدة الجيش الراسخة، وأن  يجعله يصنع سلاحه، يعتزل السياسة، ويحمي الحدود. فعزله الجنرال، وأعاد إلى الجيش مكانته ودوره المرسوم، وبجانب مصانع المكرونة والصلصة والسمن، أضاف مصانع للكحك والبسكويت، وتنافست كلية الدفاع الجوي ودار الأسلحة والذخيرة، وكما تفوقت الأولى في طعم السمن البلدي، أبدعت الأخيرة في فنون النقش.

يتغنى الإعلام وأتباعه ببطولات خير أجناد الأرض. وفي الحقيقة ما حدث هو أن الجيش خلع رئيساً  شرعياً، وسجنه بتهمة الخيانة، وأنه كان ينسق مع حماس، ويفتح المعابر لأهل فلسطين، ونعم الخيانة إن كانت نصرة لفلسطين.

ينصب الجيش المصري قائداً مخلصاً لدولة إسرائيل، فيعلن الصهاينة فرحين أنهم استعادوا كنزهم من جديد، وتصفه الإدارة الأميركية بقولها: "إنه رجلنا في الشرق الأوسط". وهذا قول حق، فهو يشارك إسرائيل في حربها على أهل غزة، ومن لم يمت منهم بالقصف، يريد قتله على المعابر المغلقة.

جاء الجنرال من أجل الفقراء، فرفع الدعم وزاد الأسعار،  وبقيت الرواتب على حالها، يصرخ الناس في الشوارع، ويشكرهم الجنرال على صبرهم وتحملهم، ويعدهم بمزيد من الغلاء والظلم.

انتحر المنطق على أرض مصر، ومات العقل كمدا وحسرة، بفعل الإعلام الانقلابي الذي يسعى إلى إيجاد واقع جديد كاذب، ليس من أهدافه تشكيل الوعي لدى المصريين، بل فقط قتله وسحقه.