اليوبيل الفضي للنظام السوداني: جردة حساب في أزمات متعددة

اليوبيل الفضي للنظام السوداني: جردة حساب في أزمات متعددة

02 يوليو 2014
البشير أكد أن فترة حكمه أفضل مما سبقها(إبراهيم حميد/Getty)
+ الخط -

أكمل النظام الحاكم في السودان ربع قرن على وجوده في هرم السلطة بالبلاد التي استولى عليها عبر انقلاب عسكري في الثلاثين من يونيو/حزيران عام 1989، نفذته الحركة "الإسلامية السودانية" بزعامة حسن عبد الله الترابي.

ودرج النظام على الاحتفال سنوياً بتلك المناسبة التي يطلق عليها "أعياد ثورة الإنقاذ الوطني" لجرد إنجازاته التي حققها بعد وصوله إلى الحكم الديمقراطي وقتها بزعامة رئيس حزب "الامة القومي" الصادق المهدي.

وصدر البيان الاول الذي تلاه وقتها، الرئيس عمر البشير، بإدانة الحكومة القائمة ووصفها بالفشل وتحميلها مسؤولية إضاعة الوحدة الوطنية وإثارة النعرات وتدهور الاقتصاد، إضافة إلى الفشل السياسي واستمرار الحرب في جنوب البلاد.

ومنذ البدء الفعلي في تنفيذ اتفاقية السلام الشامل التي وقعتها الحكومة مع الحركة "الشعبية" بزعامة جون قرنق، خلال عام 2005، تراجع النظام عن شكل الاحتفالية التي كان يقيمها قبل الاتفاقية بمنح العاملين في مؤسسات الدولة إجازة رسمية في ذلك اليوم، مع إقامة سلسلة احتفالات قد تمتد لشهر كامل. وذلك بعد رفض الحركة عند توقيع الاتفاقية (أي قبل انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة) إقامة الاحتفالات وتأكيدها على أنها لا تعترف سوى بالأعياد المعروفة (الاعياد الدينية) إضافة إلى أعياد الاستقلال.

وعلى الرغم من تخلي الحزب الحاكم عن الاحتفال الرسمي، إلا أنه ظل ينشئ مشروعات خدمية يتزامن اكتمالها مع الذكرى السنوية لـ"الإنقاذ" ليخاطب البشير، الجماهير المصاحبة للافتتاح.

في المقابل، لم يشهد العام الحالي أي اهتمام من قبل النظام بتلك المناسبة التي كان يتخذها عادة لتذكير السودانيين بحالهم ما قبل وصولهم للسلطة بالإشارة إلى صفوف الخبز والبنزين وانقطاع التيار الكهربي، وصولاً لرداءة جودة الملابس التي كان يرتديها الشارع السوداني قبل "الإنقاذ"، الامر الذي صرح به العام الماضي، نائب رئيس الجمهورية السابق الحاج ادم.

وقد أثار تجاهل الحزب الحاكم الاحتفال بالمناسبة هذا العام، تساؤلاً في الاوساط السودانية حول مدى اقتناع الحزب الحاكم بفشله في إدارة الدولة خلال تلك الفترة، ولاسيما أن قادة الحزب نفسهم عبروا عن فشلهم في تحقيق الشعارات التي رفعوها في ايامهم الاولى، وأهمها "نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع". يضاف إلى ذلك، تأثره بالانشقاقات الداخلية وحالة التململ التي يعيشها حالياً، خصوصاً بعد تفاقم الازمة الاقتصادية والسياسية في البلاد وانعدام أفق الحل. 

اليوبيل الفضي
وفي تقييم سريع لتجربة النظام الحالي خلال الربع قرن الماضية، نجد أنه واجه انتقادات لاذعة من قبل الاحزاب المعارضة وبعض قادته وقواعده. ويصل النظام إلى اليوبيل الفضي، في ظل التدهور الذي لحق باقتصاد البلاد واستمرار الحرب في إقليم دارفور والنيل الازرق وجنوب كردفان، وتلك الازمات لم تكثر إلا في عهده، حتى إن البعض يحمله مسؤولية شق الاحزاب وإضعافها إذ أسفرت تلك السياسة عن توالد 80 حزباً من أصل نحو عشرة احزاب قبل وصول "الإنقاذ" للسلطة.

ويؤخذ على النظام الحالي مسؤولية انفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة، باعتباره لم يجتهد لإقناع الجنوبيين بالوحدة، وأٌقر مشروعاً مسبقاً لحكم البلاد أخرج مدينة جوبا (عاصمة الجنوب حالياً) عنه باعتبارها عائقاً لمشروعه الكبير في النظر للغالبية المسيحية فيها إضافة إلى تقاربها مع دول شرق افريقيا. 

قرارات دولية
من جهة أخرى، أصدرت الادارة الاميركية جملة من القرارات ضد الخرطوم في عهد النظام الحالي، وجاءت جميعها بعد حادثة محاولة اغتيال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك، في اديس ابابا عام 1995، والتي اتهمت الخرطوم بتنفيذها. وتم وضع السودان ضمن الدول التي تمارس الارهاب، كما نفذت واشنطن عقوبات اقتصادية ضد السودان ما زالت سارية حتى الان، متمثلة في الحظر الدبلوماسي على المسؤولين السودانيين، والحظر الاقتصادي (تم حظر استيراد قطع الغيار ومنعت الشركات الاميركية من الاستثمار في مجال النفط السوداني ومنع التعامل بالدولار في المقاصة العالمية).

وأًصدرت واشنطن قرارات اتهمت فيها الحكومة السودانية بممارسة الرق في جنوب البلاد، كما قامت بقصف مصنع "الشفاء" للأدوية في اغسطس/آب عام 1998 للاشتباه فيه بإنتاج اسلحة كيماوية، وسنت واشنطن ايضاً قانون "سلام السودان" الذي يحمل ايضاً جملة قرارات ضد الخرطوم.

اما على مستوى مجلس الامن الدولي فقد أًصدر الأخير، ما يتجاوز الـ50 قرارا بشأن السودان، حمل معظمها عقوبات موجهة، وكان أهمها إحالة الجرائم التي ارتكبت في إقليم درافور إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، والتي قادت لإصدار مذكرات توقيف ضد عدد من المسؤولين السودانيين والحركات المتمردة بينهم البشير ووزير الدفاع الحالي عبد الرحيم محمد حسين.
واعتمد المجلس قرارات بنشر قوة من الامم المتحدة واخرى مشتركة مع الاتحاد الافريقي لحماية المدنيين ومراقبة وقف إطلاق النار في جنوب السودان ودارفور. كما أًصدر قراراً بفرض عقوبات تمثلت بفرض حظر على توريد وتصدير المعدات العسكرية وحظر السفر على بعض الافراد وتجميد ارصدة مالية. 

مسؤولية تضامنية
من جهته، أكد الخبير السياسي والاسلامي الطيب زين العابدين، أن النظام الحالي لم يحقق إنجازاً يستحق بقاءه في السلطة كل تلك الفترة. وحمل النظام مسؤولية انفصال الجنوب، وقال إنه يعد الاخطر من نوعه في تاريخ البلاد وإفريقيا على وجه الخصوص باعتبار أن السياسات التي انتهجتها الحكومة إبان الفترة الانتقالية قادت لتلك النتيجة. وأشار إلى أن الحزب الحاكم مسؤول عن استمرار الحرب في دارفور وجنوب كردفان، وتنصله من الاتفاقيات التي تمت مع أطراف النزاع.

 وأضاف، أنه إلى جانب تدهور الاقتصاد والفشل في تحديد أوجه صرف ما بين 60 إلى 70 مليون دولار الخاصة بالنفط، تورط النظام في هروب 1500 من رجال الاعمال السودانيين الذين فضلوا الاستثمار في اثيوبيا بسبب المناخ الطارد، إضافة لتدهور العلاقات الخارجية وخلق أعداء جدد في دول الخليج.

لكن البشير، أكد الخميس الماضي، استعداده للمحاسبة عن تلك الحقبة شريطة أن تكون محاسبة شاملة بمقارنة الاوضاع ما قبل وبعد وصوله للسلطة، جازماً بأن الوضع وقتها لم يكن بأفضل مما هو عليه الان بل اسوأ على حد وصفه. وأوضح أنه جاء وأنقذ البلاد من ما كانت تعانيه من سوء العيش.