اليمين الأوروبي المتطرف في الصدارة

اليمين الأوروبي المتطرف في الصدارة

23 مايو 2014

مارين لوبين ووالدها في مقهى بباريس (إبريل 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
لم يَعد اليمين المتطرف مسألة عارضة في المجتمعات الأوروبية الغربية، أو استثناءً، في هذا البلد أو ذاك. بل أصبح قوة سياسية مُنظّمة يَعرِض خدماتِهِ، ومستعد لكل التحالفات مع الأحزاب اليمينية المعتدلة، لتشكيل حكومات، أو إدارة مدن وبلدات أوروبية، أي معالجة الشأن الداخلي. ولعل المثال الفرنسي أكثر دلالة على التحول الذي عرفه اليمين المتطرف في هذا البلد، ومساره التصاعدي، فبعد أن تعرَّض لعملية "شيْطنة" رهيبة، في السبعينات والثمانينات، بات حزباً عادياً، وأصبح زعماؤه يُدعون إلى وسائل الإعلام، ويجذبون عدداً كبيراً من المشاهدين، بل صارت أفكاره المتطرفة والشعبوية تخترق قطاعات عريضة من الفرنسيين، دونما اعتبار للطبقة الاجتماعية، من الكوادر العليا إلى العمال والنقابيين الذين كانوا، في السابق، يُصوّتون للأحزاب الشيوعية واليسارية.

ولعل الفرق، في فرنسا، مثلاً، كبيرٌ بين المُؤسِّس التاريخي لحزب الجبهة الوطنية العنصري، جان ماري لوبين، وخليفته، ابنته مارين لوبين. فبين الصدّ والنّفور الذي واجهه الأب،ُ والترحيب الذي تحظى به ابنته، يظهَر حجمُ التطور الذي حققه هذا الحزب العنصري الذي بنى مجده على التحذير من الأجنبي والغريب، وأيضاً الدفاع عن "الهوية المسيحيّة" لفرنسا في مواجهة "أسْلمة" متخيّلة وكاسحة، الأمر الذي أوصله في الانتخابات البلدية الفرنسية أخيراً إلى أن يُدير أكثر من 11 مدينة وبلدة فرنسية.

لقد أصبحت الأحزاب اليمينية المتطرفة جزءاً من الطبقة السياسية التي يُحسب لها ألف حساب، وبلغت درجة تهديد أحزاب تقليدية كبرى. وليس غريباً أن يرى المراقب كثيراً من أفكار هذا اليمين المتطرف، وهي تتسلل إلى برامج الأحزاب اليمينية التقليدية، وهذا ما حصل مع نيكولا ساركوزي وخليفته فرانسوا كوبي.

والحقيقة أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب الاتحاد الأوروبي تمنح الأحزاب اليمينية المتطرفة فرصة لنشر أفكارها، واللعب على خوف المواطن الأوروبي، وقلقه من المستقبل المجهول، حيث تأثير صعود اليورو على حساب العملات الأخرى، وخصوصاً الدولار، على دخل المواطن، وتأثيره على التبادل التجاري واستقبال السياح، إضافة إلى البطالة الزاحفة، وانخفاض النمو وهروب الاستثمارات.

استطاع اليمين المتطرف أن يستثمر كل المؤسسات والمنابر لنشر أفكاره، وخصوصاً ما يتعلق بانتقاده العملة الأوروبية الموحدة، وإدانته أي مشروع فيدرالية أوروبية، ودفاعه المستميت عن الدولة-الأمّة.

وليس ثمة أي تناقض بين إدانة اليمين المتطرف الاتحادَ الأوروبي ومؤسساته، خصوصاً، البنك الأوروبي الذي يُتهم بأنه يتجاوز سيادة الدول واستقلاليتها، ويفرض عليها سياسة الأقوى، أي ألمانيا، وبين الترشّح في الانتخابات الأوروبية، والرهان على تحقيق انتصار كبير فيها.

تراهن الزعيمة اليمينية الفرنسية، مارين لوبين، على تحقيق حزبها لانتصار قوي، ونتيجة تتجاوز الاشتراكيين الفرنسيين، وهي قادرةٌ على هذا الإنجاز، إنْ صدقت التوقعات الحالية. ومن وراء هذا الانتصار، يمكنها تجميع ما لا يقل عن 25 نائباً، من سبع دول أوروبية، لهم التصورات والحساسيات نفسها، في البرلمان الأوروبي، من أجل تأسيس فريق برلماني موحد. ما سيجعل كلمة اليمين المتطرف مسموعة في البرلمان الأوروبي، وقادرة على التأثير في قرارات كثيرة تصدر منه.

ومما يُساعد على تحقيق هذا الإنجاز أن الناخب الذي يصوّت، تقليدياً، لليمين المتطرف، لا يعزف عن هذا الاستحقاق المهم، على عكس ناخبي الأحزاب التقليدية الذين لا يعيرونه اهتماماً كبيراً. ولعل تقاعس وسائل الإعلام الرسمية عن نقل النقاشات الانتخابية دليلٌ على أن الأوروبيين لا يهتمون كثيراً ببرلمانهم، إنْ بسبب الأزمة الاقتصادية والبطالة، أو لاقتناعهم بأن البرلمان الأوروبي لا يمتلك قوة كبرى قادرة على تغيير قرارات الساسة في بروكسيل، أو تأثير العملاق الألماني على مُجريَات الأحداث، وهو ما يثير غضب ناخبين كثيرين واستسلامهم.

مستقبلٌ واعِدٌ لا يزال ينتظر اليمين المتطرف الأوروبي، والانتخابات الأوروبية التي ستجري بعد أيام، ستكون المعيار.