اليسار الفرنسي يرحّب بفوز "سيريزا" اليوناني بحذر

اليسار الفرنسي يرحّب بفوز "سيريزا" اليوناني بحذر

29 يناير 2015
لتسيبراس مواقف مؤيدة للقضايا العربية (أريس ميسينيس/فرانس برس)
+ الخط -
يُخفي ترحيب الطبقة السياسية الفرنسية الدبلوماسي بانتخاب أليكسيس تسيبراس في اليونان، قلقاً كبيراً، ينتاب دول الاتحاد الأوروبي جميعها أيضاً. صحيح أن الإرادة الشعبية في اليونان، هي صاحبة القرار الحرّ، ولكن تبعاته مؤثّرة على كل دول الاتحاد، خصوصاً في الدول التي تعرف متاعب اقتصادية كبيرة، كإسبانيا وإيطاليا وإيرلندا. فقد تعب الشعب اليوناني من وصايا البنك الأوروبي، ومن الإجراءات الاقتصادية المؤلمة، وأيضاً من الكبرياء الألماني.

يعلم حزب اليسار الراديكالي، "سيريزا"، الفائز بالانتخابات اليونانية، كما يعرف ناخبوه، بأن الظروف صعبة، وأنه غير قادر على إيجاد الحلّ السحري لأزمة مستفحلة. ومن هنا تأكيد تسيبراس، الرجل القوي الجديد في اليونان، على أنه "لا غالب ولا مغلوب في اليونان، وأن الأولوية ستُعطى لمواجهة جراحات الأزمة المالية، وإعادة العدالة وإحداث قطيعة مع الأوليغارشيا والنخبة السياسية الحاكمة ومع الفساد". ولم يَفته أن يُراهن على "تخليص اليونان من الزبائنية والفساد وتغيير خط التقشف في أوروبا".

لا أحد يمكنه التنبؤ بنتائج المفاوضات التي ستجريها الحكومة اليونانية الجديدة مع الدائنين، ولا بما يتعلق بالمؤتمر الدولي حول ديون اليونان، التي دعا إليها تسيبراس، والتي لم تحظَ سوى بدعم إيرلندا. كما أن بقاء اليونان في منطقة اليورو، يستوجب تضحيات مؤلمة، لا يريدها ناخبو تسيبراس وغيرهم، وإن كانوا يعرفون أنها ضرورية لبقاء البلد في الاتحاد الأوروبي.

وتختلف القراءات بشأن ظاهرة حزب تسيبراس بين الجناح اليساري للحزب الاشتراكي وحزب اليسار. فإذا كان مسؤولو الحزب الاشتراكي الفرنسي، يرون أن معظم القياديين والمنتخبين والمتعاطفين مع تسيبراس، هم من الحزب الاجتماعي الديمقراطي اليوناني، "باسوك"، فإن حزب اليسار الفرنسي يرى، على العكس، أن اليسار اليوناني (الذي مثّله باسوك خلال ثلاثين سنة) نجح في البقاء على قيد الحياة، بفضل صمود "سيريزا" أمام تفكك الحزب "الاجتماعي الديمقراطي"، الذي دخل في تحالف مع المحافظين في حزب "الديمقراطية الجديدة".

وإذا كان الحزب الاشتراكي الفرنسي، لا يزال حذراً في قراءة ظاهرة تسيبراس، فإن معظم قياديي حزب "الخضر"، أبدوا تأييدهم الكامل لأطروحات الحزب اليوناني. ويراهنون على أن الحزب وُلد ليبقى، وأنه ليس مجرد فقاعة انتخابية. وأنه لا يمكن اختزاله إلى مجرد "يسار راديكالي"، وإنما التعبير عن "توجه اجتماعي ديمقراطي جديد"، منسجم مع روحية اليسار الفرنسي.

وعلى الرغم من إظهار الحزب الاشتراكي الفرنسي ترحيبه بهذا الانتصار، إلا أنه لم يَرْق إلى مستوى تهنئته، وإن كان قد عبّر عن استعداده للدفاع عن الموقف اليوناني في المؤسسات الأوروبية، في ما يتعلق بإيجاد حلول للديون. وإذا كان من أحد في فرنسا يشاطر، بصدق، فرحة انتصار تسيبراس فهو جبهة اليسار، التي يتميّز فيها جان ـ لوك ميلونشون، بكونه السياسي الذي راهن قبل خمس سنوات ولا يزال، على مستقبل هذا الحزب اليوناني، وعلى قدرته لصنع واقع جديد في أوروبا، سينتقل إلى إسبانيا ويؤثر على مجمل الاتحاد الأوروبي.

وإذا كان "سيريزا" ناصَب الحزبين التقليديين، "باسوك" و"الديمقراطية الجديدة"، العداء، فإنه لم يجد من حليف سوى حزب "اليونانيين المستقلين"، الذي ينادي باستعادة "السيادة اليونانية" (على غرار الجبهة الوطنية الفرنسية)، في وجه النزوع الفيدرالي الأوروبي لدى الأحزاب الأخرى، كما يعارض سياسات التقشف أيضاً.

ولهذا، فعلى الرغم من تحفّظ الأحزاب الفرنسية اليسارية، على هذا التحالف "غير الطبيعي"، إلا أنها تعرف أن تسيبراس لا يمكنه سوى فعل ذلك، فالتحالفات في اليونان ليست بدرجة الحساسية نفسها الموجودة في فرنسا. إذ تجد أحزاب اليسار اليوناني نفسها في موضع تحالف "وقتي" مع أحزاب يمينية متطرفة، وليس فقط مع حزب "الديمقراطية الجديدة". ووجد "سيريزا" حليفاً إسبانياً، يتجلّى في حركة "بوديموس" اليسارية، التي يُعوّل عليها من أجل إحداث مفاجأة مشابهة في الانتخابات الاسبانية المقبلة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

عربياً، يتأسف الكثير من العرب على تغيّر موقف السياسة اليونانية من الحقوق العربية، فاليونان التي كانت صديقة للشعوب العربية، وللقضية الفلسطينية، أصبحت مهتمة أكثر بوجهة النظر الاسرائيلية، فسياسة "باسوك" الموالية للعرب، تركت المجال ليمين يوناني عنصري موالٍ للكيان الإسرائيلي. لكن تسيبراس بدا مختلفاً، حين أبدى تفّهمه للقضايا العربية وللمأساة الفلسطينية، إذ قال مرة: "سنعمل على إلغاء اتفاقية التجارة الحرة بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي ما لم يُرفع الحصار عن غزة". ودعا إلى "توحيد أصواتنا وقواتنا للوقوف بجانب الشعب الفلسطيني كي نعيش جميعاً في سلام".

كما كانت له مواقف أثناء العدوان الأخير على غزة، وقال إن "ما يحدث لأطفال فلسطين في غزة، اليوم، يمكن أن يحدث لأطفال أوروبا على الجانب الآخر من البحر غداً. لا يمكن أن نظل سلبيين". ولم يتردد في اتهام إسرائيل، أثناء عملية "الجرف الصامد" ضد غزة، بأنها قتلت الأطفال وارتكبت جرائم في فلسطين. كما أن حزبه نظَّم تظاهرات حاشدة مندّدة بالحرب الإسرائيلية على غزة.

المساهمون