الموقف الدولي من إقامة الدولة الفلسطينية

الموقف الدولي من إقامة الدولة الفلسطينية

24 نوفمبر 2018
كاريكاتير علاء اللقطة
+ الخط -
وصلت منظمة التحرير الفلسطينية في صراعها مع الاحتلال الإسرائيلي بعد خروجها من لبنان في 1982 إلى طريق مسدود، فلا هي في حالة حرب ولا هي في حالة سلم، وتراجعت مكانتها وتهمش دورها في قيادة الشعب الفلسطيني وبدأت لجانها ومؤسساتها تتآكل وتواجه خطر الفناء التدريجي، وفي تلك الفترة بدأ التفكير داخل أروقة المنظمة بشكل جدي في التسوية السياسية السلمية للصراع العربي الإسرائيلي، انطلاقاً من اعتراف المنظمة بالقرارات الدولية الناظمة للصراع مع دولة الاحتلال، لكن لم يتوفر لمنظمة التحرير أي فرصة حقيقية يمكن من خلالها ولوج مسار التسوية السياسية السلمية ولم يطرق بابها أحد ولم يشرع في وجهها أي من المداخل للمجتمع الدولي حتى جاءت الانتفاضة الفلسطينية الأولى بأحداثها الجسام ونتائجها العظيمة على المستوى الإقليمي والعالمي فقدمت فرصة ذهبية لمنظمة التحرير تُحررها من عزلتها وتعود بها إلى الصدارة وتستعيد من خلالها دورها القيادي في القضية الفلسطينية.
عملت منظمة التحرير الفلسطينية على استثمار نتائج الانتفاضة في تدشين مرحلة الحل السياسي والوصول إلى تسوية سلمية مع دولة الاحتلال، وبرزت كما يذكر الرئيس محمود عباس في كتابه "طريق أوسلو" ضرورة طرح فكرة القبول بالقرارين 242 و338 كأساس لعملية سياسية سميت في ما بعد المبادرة السياسية الفلسطينية، والتي ظلت طي الكتمان، فلم يكن بالإمكان كما يضيف عباس صدور مثل هذه القرارات عن المجلس الوطني من دون أن تُطَعّم ببعض القرارات المعنوية والتي لا بد منها، ولذا جرى الحديث عن ضرورة إعلان الاستقلال الفلسطيني الذي أوكلت مهمة صياغته للشاعر الفلسطيني محمود درويش فقدمها بصيغة راقية منسجمة مع المبادرة الفلسطينية ومليئة بالعبارات التي تُرضي الرافضين، وترجمها المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد بصياغة يستطيع العقل الغربي تقبّلها.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته التاسعة عشر في قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية في 15 نوفمبر1988، وأعلن فيه الراحل ياسر عرفات بصفته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وقد أطلقت منظمة التحرير الفلسطينية على البرنامج السياسي الذي أقره مجلسها الوطني وعلى وثيقة الاستقلال مصطلح المشروع الفلسطيني للسلام، والقاضي بقبول مبدأ إقامة دولتين في فلسطين وقبول قراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338، وأكدت المنظمة في مشروعها على التزام فلسطين بمبادئ الأمم المتحدة وأهدافها، وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتزامها كذلك بمبادئ عدم الانحياز وسياسته، ونادت بضرورة عقد مؤتمر دولي لتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وقد أرسلت الدورة برقيات وتطمينات واضحة وصريحة لدول العالم كافة تظهر التحول الفكري والسياسي المستجد على أدبيات منظمة التحرير، وبذلك يمكن اعتبار الدورة التاسعة عشرة لمنظمة التحرير الفلسطينية هي الانطلاقة الحقيقية لعملية التسوية السياسية للقضية الفلسطينية وفتحت مقررات الدورة آفاقاً دولية مهمة أمام منظمة التحرير ومثلت نقطة انطلاق لها نحو الانفتاح على دول العالم.
أشادت غالبية دول العالم، والأوروبية منها على وجه الخصوص، بقرارات المجلس الوطني الفلسطيني وأشارت إلى ما تحمله تلك القرارات من مؤشرات إيجابية تجاه تسوية سياسية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص نبذ الإرهاب والاعتراف بدولة إسرائيل، واستقبلت بشيء من الاهتمام والتقدير توجه المنظمة الجديد وشجعتها على المضي قدماً في طريق الحلول السياسية ونبذ العمل العسكري والكفاح المسلح، وعليه وكنوع من أنواع التحفيز انطلقت في كثير من دول العالم موجة تأييد واسعة لإقامة الدولة الفلسطينية، إذ اعترفت أكثر من 70 دولة بالدولة الفلسطينية اعترافاً قانونياً صريحاً وكاملاً من ضمنها الاتحاد السوفييتي والصين والعديد من الدول في أفريقيا وآسيا، ورفعت الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية من مستوى التمثيل الدبلوماسي بينها وبين منظمة التحرير، وأقامت سفارات للدولة الفلسطينية خلفاً لمكاتب المنظمة.
تجاوباً مع توجه منظمة التحرير واعترافها بالقرارات الدولية أدرجت الجمعية العامة للأمم المتحدة المسألة الفلسطينية على جدول أعمال دورتها السنوية الثالثة والأربعين المنعقدة في جنيف في 13 ديسمبر/كانون الأول 1988م، ودعت ياسر عرفات للمشاركة في هذه الدورة وإلقاء خطاب سياسي أمام الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، وصف حينها بأنه بالغ الأهمية وأوضح فيه تفاصيل مبادئ خطة السلام الفلسطينية، وفي اليوم نفسه اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإعلان الاستقلال الفلسطيني، مشيرة إلى أن إعلان اعترافها بالدولة الفلسطينية جاء تنفيذاً مكملاً لقرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر يوم 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1947 والقاضي بـإقامة دولة عربية ودولة يهودية في فلسطين، وقررت استخدام اسم فلسطين في هيئة الأمم المتحدة تشجيعاً منها لإعلان الدولة الفلسطينية، بعد هذا الاعتراف ارتفع عدد الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية لتصل إلى 108 دول.
الولايات المتحدة الأميركية والتي كانت قد صنفت في 1978 منظمة التحرير الفلسطينية منظمةً إرهابية، رحبت بقبول منظمة التحرير قرارات الأمم المتحدة، وخصوصاً تلك التي تتضمن الاعتراف بدولة إسرائيل، ونتيجة لاستعداد منظمة التحرير التخلي عن الكفاح المسلح ونبذ الإرهاب صدر تنازل رئاسي سمح بالاتصال مع المنظمة وشرعت الولايات المتحدة الأميركية في فتح حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية وذلك عبر سفيرها في تونس، إلا أنها قد أعلنت عبر وزارة خارجيتها عقب إعلان المنظمة استقلال دولة فلسطين، أنها لا توافق على إعلان قيام دولة فلسطينية مستقلة، لأن ذلك يعد تقريراً لمستقبل الضفة الغربية وقطاع غزة من جانب واحد في الوقت الذي ترى فيه أن مستقبل هذه الأراضي ينبغي أن يقرر من خلال المفاوضات، واستخدمت الولايات المتحدة الأميركية في ذلك الوقت قانون المساعدة الخارجية وغيرها من التدابير لثني البلدان الأخرى والمنظمات الدولية عن الاعتراف بدولة فلسطين، وهددت بحجب الأموال عن أي منظمة تعترف بدولة فلسطين، مما أحبط المحاولات الفلسطينية في أن تصبح دولة فلسطين عضواً في عدد من وكالات الأمم المتحدة، فأميركا المنحازة بشكل تام ودائم مع دولة إسرائيل ليست معنية بأن يحرز الفلسطينيون أي تقدم في قضيتهم، كما تطمح الإدارة الأميركية إلى أنّ يقدم الفلسطينيون المزيد من التنازلات ويتخلوا عن المزيد من حقوقهم.
استطاعت منظمة التحرير الفلسطينية عبر إعلان الاستقلال أن تحقق لنفسها الكثير من المكاسب الجوهرية، إذ استعادت دورها الريادي في قيادة الشعب الفلسطيني واخترقت جدران الرفض العالمي وفتحت أمام نفسها بشكل رسمي وعلني أبواب غالبية دول العالم، وقد جاءت نتائج مبادرتها متوافقة مع توقعاتها، إذ بعد فترة وجيزة انخرطت المنظمة في مفاوضات سرية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، أفضت تلك المفاوضات إلى إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية والعودة إلى جزء من أرض فلسطين، ولكن.. تحت مظلة أوسلو.

المساهمون