المواقع الإلكترونية في الداخل الفلسطيني: مهنية أقل وشعبية أكبر

12 أكتوبر 2014
الجدران فضاء تعبير الفلسطينيين وحلت محلها المواقع (مخيم الدهيشة/Getty)
+ الخط -
بدأت ظاهرة انتشار مئات المواقع المحلية، في مختلف القرى والمدن العربية، تساهم في عزلها عن بعضها بعضاً وعن الهموم الجماعية، وتشكيل مجتمعات واقتصادات محلية، لها خصوصيتها في مجتمع صغير أصلاً لا يتجاوز تعداده مليوناً و300 ألف نسمة. وتلاقي المواقع المحلية إقبالاً رغم افتقاد غالبيتها لأبسط المبادئ الصحافية، عدا عن هشاشة اللغة العربية المستعملة. 
وتحمل المواقع أسماء البلدات التي تنطلق منها، وأخرى بحثت عن أسماء جديدة بسبب نفاد الأسماء، وتركّز غالبيتها على الشأن المحلي الخاص بكل بلدة، وتنجح في استقطاب الناس إليها، بل إن بعضها قد يجعل خبرا مدرسيا على سبيل المثال، "أهم" من خبر هدم بيت في بلدة أخرى. 
ويؤكد خبراء في حديث لـ "العربي الجديد" أن انتشار المواقع يلبي حاجة اجتماعية، خاصة لأشخاص لم يجدوا لهم مكانا في ظل العولمة، فعادوا إلى المحليات. ويؤكد آخرون بأن هناك مواقع محلية جيدة تخدم الناس وتعالج قضاياهم، لكن الغالبية تفتقد للمهنية وقد تشكل أخطارا مستقبلية على المجتمع.
ساهر الحاج، صاحب موقع "جفرا نت" في مدينة الناصرة، من أوائل الذين أصدروا صحفا محلية في ثمانينيات القرن الماضي في الداخل الفلسطيني، وعمل لنحو 15 عاما في الصحافة خلال إقامته في الولايات المتحدة الأميركية. وبعد عودته إلى البلاد صُدم بصحافة "كارثية"، على حد وصفه، بما في ذلك المواقع والصحف القُطرية التي يمتد جمهورها من الجليل إلى النقب.
يقول الحاج، إن الغالبية العظمى من المواقع المحلية لا تتمتع بالحد الأدنى من المهنية، بعضها يدار على يد طلاب مدارس إعدادية وثانوية، ليس فيها مضمون وتركز أكثر على نشر الصور. "ومع هذا نجد أن الناس يهتمون بالمواقع لأنها تعطي أولوية للأحداث في البلدة التي ينتمون إليها. غير أن هذا الانحدار الذي تشهده المواقع المحلية من الصعب إصلاحه، لأنه لا سيطرة على عددها الذي يتزايد كل يوم. لكن يمكن إبطاء هذا التدهور أو إيقافه عند الحدّ الذي وصل إليه".
وذكر ساهر الحاج أن رابطة للصحافيين في الداخل الفلسطيني قيد الإنشاء، وستضع في أولوياتها تأهيل العاملين في المواقع الإلكترونية المحلية والقُطرية، للتمتع ولو بالحد الأدنى من المهنية، فالسيئ من شأنه تغيير أجندة المجتمع وسلم أولوياته بشكل تدريجي. ولكنه يرى أن هناك نقطة ضوء في أن الناس باتوا يفرقون أكثر من ذي قبل بين الغث والسمين.
فادي منصور، ابن مدينة الطيرة في منطقة المثلث بالداخل الفلسطيني، يمتلك موقع "الطيرة اليوم"، الذي يضع أخبار البلدة وقضاياها على سلم أولوياته.
يقول منصور إن "المواقع المحلية في القرى والمدن العربية، باتت ذات تأثير مباشر على المجتمع المحلي داخل البلدات بشكل خاص، وعلى البلدات المحيطة والقريبة بشكل عام، في حال كان للموقع أهداف وخطط جاهزة وأهدافه اقتصادية فقط.
ينبع اهتمام السكان بالمواقع المحلية الجدّية، من كونها أثبتت أنها تستطيع التأثير على المؤسسات والسلطات المحلية، خاصة إذا كان الموقع معروفا في البلدة. فعلى سبيل المثال يتوجه إلينا في موقع الطيرة عدد كبير من أهالي الطيرة، يطرحون مشاكلهم، ونحن نقوم بالتحقق منها والتوجه إلى المؤسسة ذات الصلة، والضغط عليها من إجل إيجاد الحلول المناسبة، ومن ثم نقوم بنشرها على صفحات الموقع. من هنا تأتي شعبيتنا، لأن الموقع منبر للناس وعنوان يتوجهون إليه". 

ردة فعل على العولمة
وعلّق المحاضر في مجال الإعلام عبد الحكيم مفيد، في حديث لـ "العربي الجديد" حول ظاهرة انتشار المواقع المحلية، بأنها "نتيجة طبيعية لغياب التعبير المحلي في الإعلام القُطري والعالمي. فكل إنسان منا يريد التعرف على محيطه والبيئة القريبة منه وهذه الظاهرة في الإعلام هي ردة فعل على العولمة".
وأوضح مضيفا "في سنوات التسعينيات، بدأت تبرز قرية عالمية جديدة، وبدأ الإنسان ينفتح أكثر على العالم من خلال الفضائيات والإنترنت وغيرها، لكن خيبة أمل بدأت تظهر لاحقا، لأنه لم يجد له مكانا في العالم ولم يجد من يتحدث عنه وعن قضاياه المحلية، فبدأت العودة للإعلام المحلي، لمعرفة ماذا يحدث حوله، فهذا يعطيه إمكانية الخوض مع الآخرين في قضايا يعرفها. والمعرفة المحلية تمنح الناس قيمة اجتماعية أيضا حتى لو كانت القضايا بسيطة جدا، بدلا من الغرق في المحيط الكبير، خاصة في وضع تتشعب فيه القضايا والأحداث حول العالم وتتكرر أخبار لا يفهمها الكثيرون. وإعلاميا فإن أهم مقومات القراءة الإعلامية، هي القرب".
الفشل في الحيز العالمي والقطري، لم يزد من قوة الاهتمام المحلي فحسب، بل حتى الاهتمام الشخصي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي تعبّر عن حيّز شخصي ذاتي. لكن مفيد يحذّر من "نقطة خطيرة"، إذ يعتبر "أن عودة الناس للاكتفاء بالمعرفة المحلية، كأخبار القرية او المدينة التي يسكنون فيها، يحمل مؤشرات على تفكك مجتمعات تبدو مشتركة ومعولمة، ولكنها على أرض الواقع تتشكل على أساس محلي. هذا يعزل مجتمعنا في الداخل عن الهم الوطني المشترك، فما يحدث في بلدة في الجليل قد لا يهم ابن المثلث أو النقب، وهكذا. 
أما البلدات العربية الكبيرة والمركزية، فبدأت فيها بوادر مجتمعات منفصلة عن باقي البلدات، ترتبط بنقطة نمو الاقتصاد المحلي نسبيا، وارتفاع شأن الدعاية والترويج، ففي المواقع المحلية نجد الكثير من الإعلانات عن المصالح المشتركة بين البلدات، بسبب الأسعار المنخفضة نسبيا مقارنة بغيرها. كما أن المعلن يعرف هوية جمهوره مما يشجعه على الإعلان. وهذه نقطة خطيرة إذ بتنا نشهد تشكّل مجتمعات مستقلة نسبيا عن غيرها، اجتماعيا واقتصاديا في البلدات الكبيرة".
ويرى عدد من المراقبين، ما يراه عبد الحكيم مفيد، بأن التكاليف المنخفضة لإنشاء المواقع الإلكترونية، ساهمت بشكل كبير في نمو الظاهرة، وشجعت عددا كبيرا من طلاب المدارس على إقامة مواقع، كما بات هذا المجال مستباحا من قبل أشخاص من مجالات مختلفة.

للشأن المحلي نصيب
وفي حديث لـ "العربي الجديد" شدد أحد الصحافيين المعروفين في الداخل الفلسطيني، طلب عدم الكشف عن اسمه، على أن "مستوى الموقع لا يقاس بكونه محليّا، أو قطريّا يغطي المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل من النقب وحتى الجليل، هناك مواقع محلية أرقى بكثير من مواقع قطرية تنشر السخافات التي تخجل الكثير من المواقع داخل البلدات من نشرها"، مستدركا "قد تفتقد المواقع المحلية للمهنيين، بالمقابل، نجد صحافيين مهنيين في المواقع القُطرية لكن دورهم المهني مغيّب لصالح أجندات معينة". وأكد على أن أهالي الداخل الفلسطيني، باتوا يميلون لتصفح المواقع المحلية، لأنها أقرب إلى حياتهم اليومية وتحاكي سلم أولوياتهم واهتماماتهم، والمعلنون يلاحظون ذلك ويروّجون لمصالحهم فيها".
ومن المهم الإشارة إلى أن غالبية المواقع المحلية تقوم أيضا بمتابعة المواقع العربية العالمية ونقل أهم الأخبار منها، وبالتالي يبقى المواطن المحلي على إطلاع بمجريات الأحداث.
دلالات
المساهمون