المقاومة الفلسطينية.. حنين إلى الانتفاضة الأولى

09 ابريل 2014
"رام الله 1988"، تصوير: إيريك فيفيربرغ
+ الخط -

صدر حديثاً عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية كتاب بعنوان "المقاومة الشعبية الفلسطينية تحت الاحتلال: قراءة نقدية وتحليلية"، للباحثين ليندا طبر وعلاء العزة، ويقع في 200 صفحة.

يبدأ الكتاب في وضع إطار نظري لمقاربته، معتبراً أن "التحرر لا يحدث إلا بجهود جماعيّة ترمي إلى بناء القاعدة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، لأن وظيفة الرؤية التحررية أساساً هي خلق إنسان جديد". وفي هذا السياق، يستحضر الباحثان نظريات فرانز فانون لقراءة التجربة الفلسطينية استعمارياً، بعيداً عن التعابير التي أصبحت سائدة في توصيفها، مثل "حل الصراع" "خلاف" "تنازع حدود"..الخ.

تعد هذه الدراسة محاولة لتسليط الضوء على السياق التاريخي الذي أنتج تجارب انتفاضية فلسطينية، وفهم العوامل والعلاقات المادية التي ساهمت في تشكّل هذه التجارب، وتوضيح أهميتها ومدى ارتباطها بواقع اليوم وإمكانية إعادة الاعتبار إليها. كذلك تسعى الدراسة لفهم العناصر المعوقة والإمكانات المستقبلية والطاقات الكامنة لنشوء مقاومة شعبية في فلسطين اليوم تعيد تأهيل مفاهيم التحرر الوطني بأبعادها الثقافية والاجتماعية. وبالتالي، يحاول هذا الكتاب تقديم قراءة تحليلية للماضي القريب وللحاضر تساهم في النقاش بشأن أين نحن الآن من فلسطين جغرافيا وتاريخاً.

ويناقش الكتاب مفهوم المقاومة الشعبية وآليات تشكلها نظرياً، وماهية العوامل المكوّنة للوعي السياسي الممهد للمقاومة الشعبية كنمط ممارَس، كما يعالج كيفية تفكيك منظومة السيطرة الاستعمارية وإنتاج أنماط عيش وبنية وطنية بديلة من الاستعمار.

يرفض الكتاب ثنائية عنف/لاعنف كونها مضللة، وتحكم على الممارسة من عدسة المستعمر. فهذا الأخير هو من يقوم بتصنيف الفعل في هذه الثنائية؛ ولذلك تنتقد أطروحة الكتاب من يقومون بقراءة تاريخ فلسطين بأثر رجعي، وكأنه تاريخ يحمل هذه الثنائية.

يقدّم الكتاب نموذج مخيم جنين كحالة مقاومة شعبية، كونه شهد تفاعلاً وتكاتفاً شعبياً على أعلى مستوى من التنسيق والمشاركة. ثم ينتقل لعقد مقارنة بين تجربتي الانتفاضة الأولى سنة 1987 وانتفاضة سنة 2000 من حيث الوعي السياسي المرافق وأشكال تحول هذا الوعي إلى ممارسة ثورية، وصولاً إلى تكتيكات المقاومة ذاتها والتحولات فيها.

يحاول الكتاب في هذه المقارنة التدليل على أن ما سبق الانتفاضة الأولى أهم من الانتفاضة ذاتها. فمنذ السبعينات بدأ العمل التطوعي والنقابي والحركة الطلابية. وحملت هذه البنى الوعي التحرري اللازم للانتفاضة، فيما حالت الجغرافيا الكولونيالية دون تشكّل هذه البنى. أما نموذج أوسلو فأرسى لبيروقراطية انهارت على أثرها البنى التنظيمية.

ونستشفّ داخل النص حنيناً لنموذج الانتفاضة الأولى، باعتبارها النموذج الأكثر نضجاً واتساعاً في ما يتعلق بالمشاركة الجماهيرية. بينما تظهر الانتفاضة الثانية كنموذج استبدل تحرّك الجماهير بمسلحين سيطروا على المشهد، وبالتالي اختزل العمل النضالي بالعمل المسلح فقط، فغابت الديمقراطية في الممارسة الوطنية، على خلاف ما حدث في الانتفاضة الأولى، علماً أن هذه الرؤية لم تفحص بدقة الاحتضان الشعبي للمقاومة المسلحة في الانتفاضة الثانية ومدى تأثيراتها.

فوفقاً للباحثّين، وقعت الانتفاضة الثانية في فخ الجغرافيا الكولونيالية، وأخذت المقاومة شكل منظومة السيطرة الاستعمارية، وترّكزت عملياتها في مناطق "أ"، علماً أن هذا النقد قد ينطبق على حركة فتح وحدها، بينما تميزت عمليات الفصائل الأخرى بتوغّلها داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

ويعرّج الكتاب على مرحلة ما بعد أفول الانتفاضة الثانية، فيتفحّص مجموعة من العناصر، أهمها: التحرر الوطني وأسئلة الانفكاك، النضالات المحلية وآليات الضبط الاستعماري، وتلك المتمركزة حول قضية واحدة. كما يعالج النماذج الجديدة في الحركات السياسية والاجتماعية ودور كل من السلطة والأحزاب.

ولا يهمل الكتاب الحراكات الشبابية بل يشير إلى حُسن نواياها رغم عدم امتلاكها رؤيا استراتيجية، وغياب الوعي التحرري داخلها. ومن هذا المنطلق، لا يعتبرها مقاومة شعبية شاملة وذات مشروع تحرري، ضارباً المثل بكيفية تعاملها مع فكرة مقاومة الجدار وكأنه مفصول عن مجمل الحالة الاستعمارية، وملاحظاً غياب فلسطينيي 48 والشتات عن هذه الحراكات، كما أنّ هناك غياباً لطرح المسألة الاقتصادية.

وينتهي الكتاب بإظهار الطاقات الكامنة في المقاومة الشعبية، وآفاق التحرر الفلسطيني من اشتراطات الواقع الاستعماري، ودور كل من السلطة والأحزاب في هذا السياق.

دلالات

المساهمون