المعتدلون العرب

28 يناير 2015
من تشييع شيماء الصباغ (العربي الجديد)
+ الخط -
تعود نظرية "الاعتدال العربي" إلى الواجهة مجدداً. هذه المرة، "يعتدل" هؤلاء في مقابل تطرّف الإسلاميين، عرباً وغير عرب. سبق للمعتدلين أنفسهم أن وضعوا "اعتدالهم" في مواجهة "تطرّف" القوى التي كانت تقاوم إسرائيل. نحن معتدلون، ولذلك سنسجن كلّ من يعترض على اعتدالنا. نحن معتدلون، ولذلك سنقتل من يتظاهر ضدنا، أما من يردّ بالقتل فهو متطرف. نحن معتدلون، يحق لنا أن نسرق، وأن نعيث فساداً في مؤسسات الدولة. يحقّ لنا أن نُعيّن رأس المؤسسة الدينيّة، ونطوّعها، ونُحدّد أولوياتها، بما يخدم مصالحنا، ومن يعترض فهو متطرف. نحن معتدلون، يحق أن نوظف الخطاب المذهبي في معاركنا السياسيّة، يحقّ لنا أن نرفع من الاحتقان في الشارع. أمّا إذا كرّر أحدهم هذا الخطاب، فهو متطرّف، كيف إذا ما قرّر شاب ما ترجمة ما نقوله. نحن معتدلون، يحق لنا أن نُصنّف حراك الشعوب.. هذه ثورة، أمّا تلك فهي حراك طائفي ومذهبي. نحن معتدلون، نرفع الليبرالية شعاراً لمواجهة الخطاب الديني، لكن إذا ما قام أي فرد بخطأ ما، فأسرته وأصدقاؤه مسؤولون. ونتناقش والغرب كيف نُحارب التطرف، ونُريد تغيير مناهج التعليم، لكن إذا ما قرّر اثنان الزواج مدنياً، فالعار ثم العار عليهم. نحن، وما أدراكم من نحن! نضرب حراكاً شعبياً في سورية، ونترك الجيش الحرّ أضعف المجموعات. نرفع الصوت عالياً تضامناً مع الشعب السوري، ونترك لاجئيه ضحية الموت المتنقل مع عوامل الطقس.

نحن المعتدلون العرب نُعلن أننا سنحارب التطرف في كلّ مكان. سنرسل جنودنا الفقراء، لقتل أبناء شعبنا الفقير. سنفتح السجون لكل من يجرؤ على الاعتراض. وفي السجون، سنصنع منهم جيلاً جديداً من المتطرفين، ثم سنحاربه. هل لديكم شكّ؟ اسألوا السجناء والإسلاميين في الجزائر ولبنان وسورية ومصر والعراق والسعودية والبحرين وليبيا والسودان. اسألوا مواطنينا الكرام في هذه الدول. راجعوا الطفل الذي مات برداً وهو يهرب من سورية إلى لبنان، أو اسألوا الإيزيديين والسنة العرب، الذين قتلوا على يد "داعش" ثم قتلوا بعضهم البعض. اسألوا لو أردتم شيماء الصباغ وسندس. ربما أجابتا.
المساهمون