المعارضة الجزائرية: الشارع هو الحل

24 أكتوبر 2014
السلطة تضيّق على تجمعات المعارضة (بشير رمزي/الأناضول)
+ الخط -


يبدو أن المعارضة الجزائرية نقلت حراكها السياسي إلى الشارع بعدما أطلق تكتل تنسيقية "التغيير الديمقراطي"، الذي يضم أكثر من 20 طرفاً بين أحزاب وشخصيات سياسية، سلسلة جولات سياسية لقيادات الأحزاب والشخصيات في البلدات والمحافظات قبل أيام، لشرح فكرة التغيير السياسي السلمي الذي تطرحه، والبحث عن مخارج لتنفيذ هذا الخيار المرفوض من قبل السلطة والأحزاب السياسية الموالية لها.
يؤكد رئيس حزب "جيل جديد" والعضو في التكتل جيلالي سفيان لـ "العربي الجديد" أن هدف "النزول إلى الشارع، كخيار جديد للمعارضة، هو التواصل مع المواطنين وإشعارهم بخطورة المرحلة وضرورات التغيير السلمي".

ووفقاً لسفيان، لم تلمس المعارضة خلال احتكاكها بالناس سوى "التعبير عن السخط والاستياء من الأوضاع المزرية التي يعيشونها، جراء الإهمال من طرف السلطات المحلية وغياب أدنى شروط الحياة في دولة العزة والكرامة". ويعتبر أن "الجزائر تعرّضت لعملية نصب واحتيال سياسي خطير من خلال تمرير مشروع العهدة الرابعة (الولاية الرابعة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة) عن طريق الدوس على قوانين الجمهورية". وهو ما يجعل من وجهة نظره "رحيل هذا النظام الفوضوي، وبناء دولة النظام والقانون بالتفاف الشعب حول مشروع الانتقال الديمقراطي، للدخول في مرحلة ديمقراطية حقيقية تضمن حقوق المواطن، الحل الوحيد لمأساة المواطن والأزمة المتعددة المستويات التي تعيشها البلاد".

خطوة المعارضة الرامية إلى التقرّب أكثر من الشارع، لقيت استجابة من قبل أكبر حزب إسلامي في الجزائر، إذ أعلن رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان الجزائر)، عبد الرزاق مقري، عن جولات ميدانية في البلدات والمحافظات لـ "التحاور بشكل مباشر مع المناضلين في الشوارع والمقاهي والأسواق والطرقات لتوعية المواطنين بأهمية الحريات والانتقال الديمقراطي، تنفيذاً لتوصيات هيئة التشاور والمتابعة التي شكلها تكتل المعارضة". ويعدّ المقري أن تشمل الجولات تأطير الكوادر المحلية للحركة".

كذلك لم تغفل المعارضة، الشرائح النخبوية في خطوتها الميدانية، إذ يعتزم رئيس الحكومة الأسبق والعضو في التكتل أحمد بن بيتور، عقد سلسلة من المحاضرات واللقاءات في عدد من الولايات مع النخب السياسية والفكرية المحلية، لحثّها على المشاركة والانخراط في مسعى التغيير السلمي الذي دعت إليه المعارضة.

وكانت تنسيقية "التغيير الديمقراطي" نجحت في مايو/أيار الماضي في عقد أضخم مؤتمر للمعارضة في الجزائر منذ الاستقلال، شارك فيه 400 طرف بين أحزاب سياسية وشخصيات وناشطين حقوقيين وقوى مدنية، تسعى إلى اقناع الجزائريين بميثاق سياسي يهدف لبناء "أرضية للتغيير الديمقراطي".

ويطالب هذا الميثاق، الذي أصدرته المعارضة قبل أشهر، بتشكيل حكومة انتقال ديمقراطي توافقية تعمل على تجسيد الانتقال الديمقراطي، وتتولى مهام إدارة الشؤون العادية وإرساء السلم الاجتماعي وتشكيل هيئة مستقلة ودائمة لتنظيم الانتخابات والإشراف عليها، إضافة إلى صياغة دستور جديد للجزائر يعدّ بشكل توافقي، وتحقيق ضمانات قانونية وإدارية للمنافسة السياسية، تفضي إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وتحقيق التداول السلمي على السلطة.

كما يدعو الميثاق إلى "تطوير الإعلام وضمان استحالة حصول هيمنة من أي جهة عسكرية أو مالية أو دينية أو فئوية أو من مجموعات ضغط خلافاً للمعايير الديمقراطية، وإعطاء الأقليات حقوقا معقولة وفق عقد اجتماعي تضمنه التشريعات والممارسات السياسية". ويطالب الميثاق أيضاً بـ "تمدين النظام السياسي وإبعاد المؤسسة العسكرية والأمنية عن التجاذبات السياسية، وتجسيد ديمقراطية فعلية كآلية لتسيير وتنظيم الدولة، وتكريس العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والحريات الفردية والجماعية وإلغاء كل مظاهر الاحتكار السياسي والاقتصادي، والإعلامي والنقابي والثقافي وتمكين الشعب الجزائري من ممارسة حقوقه وأداء واجباته، وإخضاع كل المؤسسات المدنية والعسكرية لمبدأ الشفافية، والتقيد الصارم باحترام الدستور وقوانين الجمهورية".

وعلى الرغم من أن المعارضة الجزائرية ملتزمة بالعمل السلمي ورفض العنف ولم تتجه إلى التظاهر أو الاعتصام، فضلاً عن رفضها أي تدخل أجنبي في الشؤون الداخلية للجزائر، فإن حراكها السلمي لا يجد قبولاً من قبل السلطة. فقد جرى منع رئيس حزب "جيل جديد" سفيان جيلالي، قبل فترة من تنظيم تجمع جماهيري داخل قاعة في بلدة خميس مليانة غربي الجزائر، في إطار حملة إشعار الشعب بضرورة تكريس مشروع الانتقال الديمقراطي، وتجسيداً لتوصيات لجنة المتابعة والتشاور.

ورفضت السلطة منح رخصة لعقد التجمع. ويقول المتحدث باسم الحزب، سفيان صخري، لـ "العربي الجديد" إن "هذا المنع يؤكد أن الجزائر دخلت في مرحلة اللانظام والفوضى المعممة".

ولم تكتف السلطة بالمنع لمواجهة المعارضة بل أطلقت يد الأحزاب الموالية للتهجم عليها، على غرار الهجوم الذي شنّه رئيس حزب الجبهة الشعبية الجزائرية وزير التجارة عمارة بن يونس، على المعارضة السياسية في الجزائر، متهماً إياها خلال مشاركته في أحد المؤتمرات بـ "محاولة تحريك الشارع". واعتبر أن "من يريد السلطة والأغلبية في البرلمان وفي المجالس المحلية، ما عليه إلا أن يشمّر عن ساعديه ويتوجه إلى الشعب الجزائري في المواعيد الانتخابية المقبلة، وإذا كانت المعارضة تريد منصب الرئاسة فعليها أن تنتظر خمس سنوات؛ أي بعد نهاية العهدة الرئاسية الحالية للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة". ونفى أن تكون الجزائر في حالة أزمة سياسية، موضحاً أن "البلاد ليست في حاجة إلى مرحلة انتقالية كالتي تطالب بها المعارضة".
أما رئيس حزب جبهة التحرير الوطني، عمار سعداني، فقد رأى أن "المعارضة تلعب في الوقت بدل الضائع، وتحاول نقل النقاش السياسي إلى خارج المؤسسات الدستورية عبر الترويج لفكرة شغور منصب الرئيس، برغم أن بوتفليقة حاز على ثقة الجزائريين في انتخابات أبريل/نيسان الماضي".

ويربط المحلل السياسي الجزائري، رضوان بن عطاء الله، بين خطوة المعارضة الجديدة والحديث عن شغور منصب الرئيس"، مشيراً إلى أن "المعارضة قد دشّنت جولتها الثانية من النزال مع السلطة عبر محاولة توجيه سهامها إلى الرأس مباشرة".

ويرى بن عطاء الله أن "المعارضة كانت قد حاولت قبل الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل/نيسان الماضي إحراج الرئيس، بعدم الترشح لولاية رابعة عبر تلويحها بتطبيق المادة 88 من الدستور، لكن رياح الرئاسيات سارت في غير اتجاه رغبة المعارضة". ويضيف "اليوم وبعد توحد لفيف من المعارضة على نفس المطلب، تسعى الأخيرة إلى نقل النقاش السياسي إلى الشارع". ويخلص إلى القول "لا أعرف إلى أي مدى درست المعارضة خطوتها هذه، فمن الصعوبة بمكان تحقيق مطلبها السياسي. لا أعتقد أن الظروف الداخلية والخارجية في صالحها".