المسلمون والعمل في فرنسا

المسلمون والعمل في فرنسا

03 يناير 2016
+ الخط -
إذا كنت مسلماً عربياً تعيش في فرنسا، فهناك احتمالٌ لا بأس به أن يكون أوّل قرار يشغل تفكيرك بعد حصولك على الجنسية يتعلّق بفائدة تغيير اسمك من بلال إلى جان بول. لماذا؟ لأنّه وبكلّ بساطة، وبحسب دراسة فرنسية حديثة نشرت في أكتوبر/تشرين أول 2015، "في فرنسا، "محمد" لديه فرصة أربع مرّات أقلّ من ميشال للحصول على وظيفة"، لا لأنّ ميشال يتفوّق على محمد على صعيد المهارات الشخصية والكفاءات المهنيّة، بل لأنّ "المسلمين يتعرّضون بالمقارنة مع الكاثوليك إلى تمييز أكثر حدّة من الذي يتعرّض له الأفارقة الأميركيون بالمقارنة مع البيض في الولايات المتحدة، عند البحث عن وظيفة في فرنسا، من الأفضل أن تبدو كاثوليكياً لا مسلماً ولا يهودياً".
هذا ما توصّلت إليه الباحثة ماري آن فالفور، أستاذة محاضرة في جامعة بانتيون-سوربون، نتيجة دراسة ميدانية قادتها بين عامي 2013 و2014، إذ أقدمت على إرسال طلبات ترشح وهمية 1631 وظيفة شاغرة في المحاسبة والسكرتاريا في فرنسا، مستندة على سير ذاتية متطابقة لفرنسيين من أصل لبناني، يحملون اسم العائلة نفسه: "حداد"، ولدوا في بيروت عام 1988، ووصلوا إلى فرنسا والتحقوا بالتعليم الثانوي عام 2003، وحصلوا على الجنسية عام 2008، وحازوا على شهادة مهنية في مجال المحاسبة. ولم تختلف السير الذاتية المرسلة إلا في نقطة انتماء طالب الوظيفة الديني، والذي يمكن استنتاجه من اسمه الأول: "دوف" و"إستر" لليهود، "ميشال" و"ناتالي" للمسيحيين و"محمد" و"سميرة" للمسلمين، بالإضافة إلى ارتياد كلّ من المرشحين مدرسة دينية وانخراطه في النشاطات الكشفية التابعة لمجتمعه.
وتوصلت الباحثة إلى أنّ احتمال حصول رجل كاثوليكي على مقابلة عمل ضعف احتمال حصول المسلم على مثلها، وأنّ على المسلم أن يرسل أربع أضعاف عدد السير الذاتية المرسلة من نظيره الكاثوليكي للحصول على مقابلة واحدة. واستنتجت الباحثة أنّ السبب الأساسي لضعف توظيف الرجال المسلمين يعود إلى ربط الإسلام بصورتين نمطيتين سائدتين: التطرف وعدم المساواة بين الرجل والمرأة. وتترجم هاتان الصورتان في مخاوف أصحاب العمل الذين يمتنعون عن توظيف المسلمين، خشية ممارسات دينية تتحدى فكر المجتمع العلماني، كالصلاة في أثناء أوقات العمل والدعوة من جهة، والثقافة الذكورية التي تتمثل في نظرهم في ارتداء المرأة الحجاب، وعلاقة الرجل المعقّدة بالسلطة من جهة ثانية. وقد جاءت المفاجأة الكبرى أنّ عنصر التميّز يأتي لصالح المرأة المسلمة، إذ يسمح لرب العمل بتجاوز مخاوفه حيال الصور النمطية المعتادة المتعلقة بلبس الحجاب وكثرة الإنجاب، لكنّه يأتي عكس ذلك للرجل المسلم، فقد استنتجت الباحثة أنّ كون مقدّم طلب التوظيف مسلماً حائزاً على التقدير في جميع مراحل دراسته يقلل من إمكانية حصوله على الوظيفة، إذ يتخوّف أصحاب العمل من هامشيّة الرجل المسلم الملتزم، وعدم استعداده للانخراط مع الآخرين، خصوصاً إذا تميّز بمهارات وكفاءات عالية في مجال اختصاصه.
أمام هذه الوقائع، يبدو جليا التمييز الذي يتعرّض له المسلمون عند البحث عن وظيفة، إلا أنّ العوامل التي تساهم في ذلك لا تقوم على القوانين الوضعية أو السياسات الخاصة داخل المؤسسات فحسب، بل على الصورة المجتمعية للإسلام والمسلمين. ويتضح ذلك خصوصاً في الصورتين النمطيتين اللتين يتفرّع منهما سلوك أرباب العمل العنصري تجاه المسلمين عامّة: التطرّف وعدم المساواة بين الرجل والمرأة. ولا مهرب من السؤال، هنا، عن أصل الصورتين والجهة المسؤولة عن تغييرهما.
وإذا كان الجواب السهل يكمن في لوم الإعلام والتذرّع بنظرية المؤامرة العالمية الهادفة إلى تشويه صورة الإسلام ومحاربته، إلّا أنّ التحدّي الأكبر يكمن في اعتراف المسلمين بنصيبهم من اللوم، وتحمّل مسؤوليتهم في نشأة هذه الصورة الذهنية والمجتمعية التي باتت تقرن الإسلام بالتطرّف، وسوء معاملة المرأة.
والحقيقة أنّ المسؤولية الأكبر اليوم تقع على المسلمين، أوّلا، من أجل تغيير هذه الصورة وتصويبها. والواضح من جهة أنّ ذلك لا يمكن أن يتمّ من خلال تغيير المسلمين المثقفين والمتفقهين لاسمهم وتطبّعهم بالمجتمع الغربي وتنكّرهم لأصلهم وانتمائهم وعقيدتهم، بل بالتمسّك بها وإشهارها، لا سيّما في أثناء الاحتكاك بالمجتمع الأجنبي، في سبيل ترويج صورة مغايرة تتحدّى الصورة النمطية المشوّهة السائدة. ومن جهة ثانية، إدراك المسلمين أنّ التغيير المراد لا يُصاغ على الساحة السياسية والإعلامية فحسب، بل على الساحة الاجتماعية أيضا، إذ يحتّم عليهم حشد الجهود التوعوية الهادفة إلى إحياء الفكر الإسلامي الحقّ الذي لا يناشد بالعبادة الشعائرية فحسب بل بالعبادة التعاملية المنفتحة والمتسامحة كذلك.
وهناك مسؤولية أصحاب المؤسسات الخاصة نحو الانفتاح على التعدّدية والاختلاف، لا سيّما في مجتمع يحتفي بالتنوّع، ويعتبره أحد أبرز ميّزاته مثل المجتمع الفرنسي. ولابدّ من التساؤل أيضا حول كيفية تعريف أصحاب العمل التطرّف وتحديد المكوّنات الأساسية للمساواة بين الرجل والمرأة، على أن تتعدّى الأخيرة الحرية الشخصية المتعلّقة باللباس وممارسة الشعائر الدينية في الوقت الخاص بالفرد.
avata
avata
ريم كريمة (لبنان)
ريم كريمة (لبنان)