المرأة الريفية في اليمن.. أعباءٌ أكبر من أحلامها

المرأة الريفية في اليمن.. أعباءٌ أكبر من أحلامها

05 يناير 2017
(في طريق العودة من خزان الماء، تصوير: بواسفيو كريستوف)
+ الخط -
لم تتمكّن مرام الشرفي (23 سنة)، من قرية الفرس رجم، التي تبعد عن العاصمة صنعاء، بـ 100 كيلومتر، من الالحتاق بالجامعة، ليس بسبب الحرب ولا انعدام المواصلات، ولكن بسبب رفض والديها لمواصلتها الدراسة، رغم كل محاولاتها في إقناعهما بضرورة ذلك، فقد توقّفت قبلها شقيقاتها عن الدراسة بعد إكمالهن الصف الخامس.

كانت مرام تتحدّث عن معاناتها وهي تعدّل النقاب الأسود الذي يغطي وجهها، فهي تلتزم تمامًا بالعادات المحافظة التي تحكم النساء في هذه المنطقة من اليمن، وبالرغم من أن والديها كانا يريدان أن تواصل بناتهما تعليمهن، إلا أنها اصطدما بتقاليد المجتمع الذي يمنع البنات من مواصلة الدراسة، فالناس في قريتها لا يعتبرون تعليم البنات أمرًا مهمًا. وبحسبها يرى أهل القرية أنه "من المفترض أن تمكث النساء في المنازل وأن يشغلن أنفسهن بتنظيفه".

تقول المتحدّثة إن الناس تتساءل في منطقتها ومناطق أخرى كثيرة في اليمن: "لماذا يجب أن تذهب البنات إلى المدرسة؟"، وتقاطعها صديقتها: "بإمكانهن الالتحاق بالتعليم ولكن يجب أن تبقى الأولوية دائمًا للأولاد". وتنتشر مثل هذه التعليقات كثيرًا في أوساط المجتمع اليمني خصوصًا في المناطق الريفية حيث يعيش معظم السكان.

منذ سنوات طويلة تحاول المرأة اليمنية وخاصة التي تقطن في الريف، التغلب على مصاعب الحياة والظروف المحيطة بها من أجل توفير لقمة عيش لأسرتها، فالمرأة الريفية في اليمن لا تقل شأنًا عن الرجل، فهي تجاريه في كل الأعمال اليومية، إضافة إلى الاهتمام بشؤون منزلها وأطفالها وأهلها إن لزم الأمر.


من الحقل إلى المطبخ
تعتمد المجتمعات الريفية في اليمن بشكل كبير على المرأة في الزراعة وتربية المواشي، ورغم هذا الدور فإن المرأة الريفية ما زالت تواجه تجاهلًا من المجتمع اليمني، وحرمانًا من كثير من الفرص والحقوق. وزاد الاعتماد على المرأة الريفية خصوصًا في السنوات الأخيرة التي شهدت هجرة كثير من الرجال اليمنيين بحثًا عن الرزق.

وفي ظل هذه الأوضاع الصعبة؛ تصارع الفتيات في اليمن بقوّة لمواصلة التعليم، رغم المعوقات التي تقف أمامهن في البيت والمدرسة، حتى يضمنّ لأنفسهنّ مستقبلًا أفضل. هنا، تعتبر الطالبة هديل، أن هناك آباءً يحرمون بناتهم من الدراسة، بغرض جلب الماء أو الحطب، أو القيام بالأعمال المنزلية، مشيرةً إلى وجود عدّة عوائق تضاف إلى المهام الشاقّة للمرأة اليمنية، منها الزواج المبكّر ووجود مشاكل تعليمية.

من جهته، يرى الكاتب عمار أحمد في حديث إلى "جيل"، بخصوص قضية تعليم الفتاة في الريف اليمني، أن وصولها للثانوية يعدّ إنجازًا، وذلك لأنه نادر الحدوث في الريف لعدّة أسباب تتمحور حول واقع التنمية وغياب البنية التحتية في اليمن، مضيفًا أن الفتاة تعاني من الحصول على فرصة التعليم بسبب طبيعة الحياة في الريف، وتُحرم آلاف الفتيات منه لعدة أسباب؛ أهمها التزوّد بالماء الذي يعتبر غالبًا من أشغال المرأة في البيت، وهذه خصوصية يمتاز بها الريف اليمني، لأن معظم القرى في اليمن تغيب عنها مشاريع المياه، ويتمّ الحصول عليه بنقله من الآبار للمنازل، موضحًا أن هذه المهمة توكل للفتيات، بسبب انشغال الذكور في الزراعة والعمل، وقد حاولت بعض المنظمات الدولية إقامة مشاريع مياه في عدد قرى الريف اليمني لحل هذه الإشكالية على حدّ قوله.

صعوبة الحياة القاسية في الريف اليمني، عادة ما تدفع بالأسر لعدم تعليم الفتاة، لحاجتهم لها في العمل في الرعي أو الزراعة أيضًا ومساعدة الأسرة في تحسين دخلها المادي. وفي هذا السياق يستطرد أحمد: "إذا تجاوزت الفتاة هذه المشاكل، تقف أمامها مشكلة غياب أو قلّة المدارس في الريف، فبحسب إحصائيات حكومية في اليمن هناك أكثر من 100 ألف تجمع سكاني أغلبها في الأرياف، ما يعني وجود تشتت سكاني كبير، والريف اليمني يتكوّن من قرى أحيانًا لا تتجاوز عشرات المنازل، وتمثل رحلة الذهاب والعودة للمدرسة معاناة للفتاة اليمنية، نحن مازلنا نتحدث فقط عن التعليم الأساسي، أما التعليم الثانوي فنادرًا ما تجد الفتاة في قريتها مدرسة ثانوية قريبة إلى منزلها.


9 جامعات فقط
كثيرًا ما ينتهي سؤال: لماذا تنتهي رحلة تعليم الفتاة الريفية عند الثانوية؟ بإجابة تعزو ذلك إلى قلة الجامعات الحكومية، ففي اليمن توجد تسع جامعات حكومية فقط لـ 21 محافظة، يقطنها 25 مليون نسمة، ما يعني وجود محافظات كثيرة لا توجد بها جامعات.

ويشير البعض، إلى أن الكثير من اليمنيين الذين يقطنون الأرياف، لا يسمحون بالتحاق بناتهم بالجامعة التي توجد غالبًا في عاصمة المحافظة، إلا إذا كان لها الحظ في السكن عند أقربائها، فأغلب الأسر اليمنية محافظة، ولا تتقبّل فكرة أن تلتحق بناتهم في سكن جامعي لوحدها، يضاف إلى ذلك قلة المعاهد في الريف اليمني، التي يمكن أن تشكّل بديلًا للجامعة، وإذا وجدت فهي في تخصّصات لا تناسب الفتاة.

من جهته، يرجع الصحافي خالد الناصري هذه الظاهرة، إلى الغياب الحقيقي لدولة المؤسسات في اليمن، منذ فجر جمهورية 26 سبتمبر/ أيلول، معتبرًا أن معظم المجتمعات الريفية في اليمن تعاني من قصور في التعليم، وخصوصًا عند المرأة الريفية التي تحتل مكانه كبيرة في المجتمع الريفي، كونها شريكة الرجل في أعماله اليومية في كل المجالات على حدّ تعبيره.

ويردف الناصري أن مهام المرأة الريفية، تشكّل عقبة أمام معظم الشابات لمواصلة التعليم، إضافة إلى أسباب عديدة، منها ندرة المدارس، وبُعد الجامعات التي غاب حضورها في معظم المناطق، وعلى وجه التحديد، المنطقة الشرقية في كل من مأرب والجوف وشبوه.

إلى جانب كل المظاهر الاجتماعية التي عمّقت من ظاهرة تخلف الفتاة اليمنية عن مواصلة دراستها، تطرح الكاتبة إلهام عامر قضية أخرى، متعلّقة بظروف البلاد السياسية، تقول في حديث إلى "جيل": "بالرغم من ارتفاع حظوظ المرأة في اليمن، في عدّة مجالات، منها العمل، والمشاركة في صنع القرار، والتعليم بفعل التحولات الاجتماعية وخاصّة قبل الانقلاب الذي شنته مليشيا الحوثي والمخلوع صالح؛ إلا أن المرأة الريفية ظلت في الغالب بعيدة عن ذلك، وازدادت بؤسًا بفعل الانقلاب، وارتبط ذلك أيضًا بنسبة الفقر والأمية التي جعلتها مهمشة داخل المجتمع".


مهندسات البيوت
من جهتهم، يعتبر خبراء اجتماعيون، أنه على الرغم من الأدوار المتعدّدة للمرأة الريفية، إلا أن مساهمتها في مؤشّرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية محدودة للغاية، ويؤكّدون أن معالجة التهميش بأنواعه ضدّها يكمن في تبني إستراتيجية تعليم موجّهة وجادة مع تعزيز مشاركتها في مجالات التنمية، مشيرين إلى أهمية إنشاء برامج خاصّة تعمل على تعزيز مشاركة المرأة عبر رؤية واقعية تستلهم تجارب ناجحة من دول العالم الثالث.

يذكر أنه لخمس سنوات متتالية، ما زال اليمن يحتل المرتبة الأخيرة من بين 136 دولة، من ناحية الفجوة الموجودة على مستوى التنوّع الاجتماعي، ويبلغ معدل الأمية 65% لدى النساء في مقابل 30% لدى الرجال.

وإلى جانب مشاركة المرأة الريفية في الأعمال الزراعية، بدءًا من حراثة الأرض، وزراعتها وسقيها إلى غاية حصادها، تُسهم المرأة في صناعة ما تحتاج له الأسرة من حاجيات منزلية، كالتنانير، والسلال، والمراوح اليدوية، والمكانس، والسجّادات، والوسائد، والأفرشة وتعمل في إنتاج الحليب والجبن الذي تبيعه في الأسواق القريبة.

إن ما سلف ذكره من معاناة وصعوبات معيشية كبّل المرأة الريفية، بقيود أفقدتها شخصيتها، وأبعدتها عن الإسهام في بناء محيطها. ينصح مهتمون وخبراء اجتماعيون بإقرار برامج تكتيكية، وأخرى إستراتيجية، لمعالجة واقع المرأة الريفية المأساوي، والتوجّه لتخليصها منه.

ولعل أوّل هذه البرامج، التوجّه الصادق لمحو الأميّة للمرأة اليمنية، وبناء مجمعات سكنية، للتخلّص من أكواخ القصب والطين، تضم مراكز صحيّة، وأمنية ومدارس، وزرائب لإيواء الحيوانات وتربيتها، وورش عمل مناسبة لبيئة الأرياف، ومراكز ثقافية، وشق الطرق المعبّدة وربطها بوسائل الاتصال الحديثة، وتوفير الكهرباء، والماء النقي الصالح للشرب، وفتح الأسواق والمراكز التجارية، والعناية بتربية الأطفال وتهيئة المسابح، والألعاب المناسبة لهم، ومراكز الإرشاد الزراعي، ومراكز لجمع الحليب والأسماك والطيور، والاهتمام بتوفير مستلزمات الزراعة الحديثة، وتخليص مواطني الريف من العشوائية في مجالات عيشهم كافة.

المساهمون