اللومي وموسي مرشحتان لرئاسيات تونس... بلا دعم نسوي

اللومي وموسي مرشحتان لرئاسيات تونس... بلا دعم نسوي

11 سبتمبر 2019
تسعى اللومي لإيجاد مساحة داخل المشهد السياسي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
وسط زحمة المرشحين الرجال للانتخابات الرئاسية التونسية، والبالغ عددهم 24 مترشحاً، تبحث امرأتان هما سلمى اللومي الرقيق مرشحة حزب "الأمل"، وعبير موسي مرشحة "الحزب الدستوري الحرّ"، عن موطئ قدم في السباق الانتخابي الذي يجرى في 15 سبتمبر/أيلول الحالي. وتتصارع الاثنتان من أجل تجميع أكبر عدد من الأصوات والتعاطف الجماهيري، ولا سيما النسائي، وتزعم كلتاهما الانتساب للإرث البورقيبي، وأنهما وريثتا الدولة الوطنية وركيزتها مناصرة قضايا المرأة. وفي ماراثون من التحركات والاجتماعات الشعبية وعدد من الصفحات على موقع "فيسبوك" والحملات الاتصالية ميدانياً وافتراضياً، تحاول المترشحتان فرض حظوظهما وافتكاك موقع تحت الضوء من أجل الفوز بالانتخابات الرئاسية.

وبالعودة للانتخابات الرئاسية لعام 2014، لم تتمكّن إلا امرأة وحيدة من تقديم ملف مستوفي الشروط القانونية والمشاركة في الدورة الأولى، وهي القاضية كلثوم كنو صاحبة الإرث النضالي ضدّ نظام الاستبداد. وعلى الرغم من أنها غادرت وقتها السباق باكراً وبنسبة تصويت ضعيفة جداً، فإنّها حافظت على رصيد من الاحترام والتقدير لمسيرتها. ولم تكن حظوظ كنو على ذات القدر من الأهمية، مقارنةً بحظوظ اللومي وموسي، إذ كانت المعركة القائمة على الاستقطاب الثنائي وقتها محسومة سلفاً بين مرشح الثورة الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، ومرشّح الحداثيين الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.

وإن كان وجود امرأة مترشّحة في الانتخابات الرئاسية الماضية يبيّن فرادة التجربة التونسية عبر أول ترشّح نسائي في تاريخ البلاد لكرسي الرئاسة، فإنّ الفرادة هذه المرة تكمن في تواصل التجربة، وفي أنّ إخفاق كنو لم يثن نساء أخريات عن التقدّم إلى السباق الانتخابي، علاوة على حظوظما بالفوز. ويمثّل ذلك علامة صحية تفيد بتقبّل العقل التونسي لتمكين المرأة وبلوغها أعلى هرم الدولة وكسر الرمزية الأبوية والذكورية لمنصب الرئيس. وتختلف المترشحتان في الطبع والمسيرة، ولا تحظى الاثنتان بدعم المنظمات النسوية لاقتصارهما على مناصرة القضايا التقليدية للمرأة، وامتناعهما عن تقديم مواقف صريحة حول المساواة في الإرث والحريات الفردية. وفضّلت المنظمات الحقوقية والنسوية الصمت إزاء الترشحات، والاكتفاء بمطالبة النساء بالتصويت لمن يعتمد مقاربة النوع الاجتماعي والمساواة التامة بين الجنسين والتمكين الاقتصادي للمرأة.

وفسّرت عضو المكتب التنفيذي لـ"الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات"، هالة بن سالم، في حديث لـ"العربي الجديد" هذا الموقف، بأنّ الجمعية "بقدر تثمينها لوجود مرشحتين في سباق الانتخابات الرئاسية، فإنّها لا ترى أنّ هذا العامل عنصر كاف لدعمهما". وأضافت أنّ "الجمعية وإن كانت لا تدعم أي مرشح بشكل مباشر، إذ التعدد داخلها واحترامها لاختيارات أعضائها ومناصريها يلزمها بتفادي ذلك، إلا أنها تدعو بوضوح لأن يكون تصويت النساء لمن يؤمن بالمساواة التامة بين الجنسين وفي مقدمتها المساواة في الإرث، ولمن يلتزم بأسس الدولة المدنية ويواصل نهج تكريس الديمقراطية ويحفظ سلامة الانتقال الديمقراطي وكل ضماناته ويحافظ على السلم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية".

في المقابل، اصطفّت منظمات نسوية أخرى وراء مترشحين رجال لاعتبارات عدة، من بينها أنّ منهم من يمثّل تواصلاً للخط البورقيبي، ومن لديه قدرة على معادلة الكفة مع الإسلام السياسي، إلى جانب استمالة البعض الواضحة للنساء وتقديم وعود التمكين. وهناك أيضاً من امتازت مسيرته بالوقوف دائماً في صف قضايا النساء والحريات الفردية.

ولا تنتمي المترشحتان، اللومي وموسي، إلى المدرسة السياسية نفسها، ولا تنتهجان الممارسة ذاتها، كما لم تدخلا المعترك السياسي بالأساليب أو للغايات نفسها. ففيما تقدّم سلمى اللومي الرقيق نفسها كسيدة ارستقراطية وسيدة أعمال تمارس السياسة بهدوء تماماً كما كان مرورها بعدة مناصب وحقائب وزارية هامة بهدوء ومن دون أثر أحياناً، تقدم منافستها عبير موسي نفسها كامرأة ميدان وتستحضر في كل تحركاتها ولقاءاتها الشعبية صورة مهرجانات حزب "التجمّع" المنحل إثر الثورة، التي تجعلها تجاهر بعدائها للثورة ووفائها لنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وهي التي دافعت عنه في المحاكم وتواصل معركتها في الميدان من أجل إعادته إلى الحكم ولو بعد حين.

في السياق، اعتبرت الناشطة الحقوقية رئيسة جمعية "رؤية حرة"، عربية الجبالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ إقدام اللومي وسومي على خوض غمار الانتخابات "ظاهرة صحية وإثراء للتجربة النسائية في التنافس حول مواقع القرار". بيد أنّ الجبالي أكّدت أنّ "من الخطأ اعتبار النوع الاجتماعي المقياس الوحيد للدعم خلال الانتخابات، إذ تحتاج البلاد إلى امرأة قيادية وقائدة ذات كفاءة واطلاع على تسيير الدولة والتزام تام بمقتضيات الدستور، وهو ما تفتقده المترشحتان".

وتابعت الجبالي أنّ التدقيق في مسيرة المترشحتين وبياناتهما الانتخابية وتحركاتهما وما رافق ذلك من تصريحات "يكشف ضعفاً اتصالياً فادحاً لدى مرشحة حزب الأمل سلمى اللومي، إذ كان حضورها باهتاً، وغابت عنه المواقف الجريئة، وهو أمر مألوف لدى اللومي التي لم يعهد لها التونسيون مواقف تذكر في قضايا ساخنة على الرغم من تبوئها مناصب قيادية في البلاد". ويعدّ البيان الانتخابي للومي حسب تقدير رئيسة جمعية "رؤية حرة"، "أقلّ بكثير من سقف انتظارات الساحة الحقوقية في جميع جوانبه".

وأخفقت المترشحة عبير موسي أيضاً في نيل ثقة الساحة الحقوقية، إذ أكدت الجبالي أن مهارة موسي الاتصالية وقدرتها على التواصل واتخاذ مواقف واضحة لا تحجب كونها "خطراً على الديمقراطية، وتهديداً واضحاً لسلامة الانتقال الديمقراطي، وانتكاسة خطيرة تمهّد لعودة دكتاتورية أشدّ من حقبة الاستبداد، إذا ما وصلت للرئاسة. واستدلت الجبالي على ذلك بتصريحات موسي المعادية لثورة التونسيين وخطابها الحادّ، إضافة إلى برامجها التي أعلنت عنها خلال المناظرة التلفزيونية للمترشحين أو خلال حملتها، ومن بينها تنقيح الدستور لتعديل النظام السياسي نحو تركيز الصلاحيات لدى رئيس الجمهورية، وإحداث وكالات استخباراتية توحي بعودة الدولة البوليسية القمعية.

سلمى اللومي الرقيق

وتقدّم المترشحة سلمى اللومي الرقيق (62 عاماً) الحائزة على درجة الماجستير في الاقتصاد وسيدة الأعمال، نفسها كصانعة للأمل للتونسيين، وهي تخوض الانتخابات تحت هذا الشعار "نصنع الأمل". وتسعى اللومي إلى إيجاد مساحة خاصة لها داخل المشهد السياسي الذي ولجت إليه للمرة الأولى عبر مشاركتها في تأسيس حزب "نداء تونس"، وكانت من بين آخر المغادرين له إثر مؤتمره التأسيسي في وقت سابق من العام الحالي. وربما كان لذلك علاقة وطيدة باستقالتها من منصب مديرة الديوان الرئاسي للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بعد أن انحازت إلى الشقّ المعادي لنجله حافظ آنذاك.

ودفع "النداء" سلمى اللومي نحو المشاركة المباشرة في صناعة القرار الوطني، قبل تعيينها كمديرة للديوان الرئاسي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018، عبر تعيينها في منصب وزيرة السياحة لثلاث سنوات ونيف. وكانت غادرت هذا المنصب في إطار محاولة قائد السبسي إفراغ حكومة يوسف الشاهد من الوجوه القيادية في "النداء" إثر الخلاف الذي دار بينهما، ورفض الأخير الاستقالة والانصياع لرغبة الرئيس الراحل.

ولا تتعدى خبرة اللومي المعلومة في عالم السياسة سنوات معدودة من العمل داخل "النداء"، وحثّها على ذلك "خوفها على مكاسب المرأة وعلى البلاد من الأخطار التي تهددتها"، على حدّ قولها. وعزز حظوظها في "النداء" قربها من قائد السبسي، وانتماء أفراد من عائلتها للحركة وتمويلهم لها، ثم أشهر من النشاط في صلب حزب "أمل تونس" قبل أن تفكّ ارتباطها به قبيل الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها وتقرر خوض غمارها باسم حزب "الأمل".

وان كانت اللومي منذ بداية الحملة الانتخابية محلّ انتقادات حول أدائها الاتصالي، فإنّها تعتبر أنّ "هناك أطرافاً تعمل على تشويه صورتها، وستردّ على ذلك بالمقترحات والبرامج". وترى اللومي نفسها "امرأة ميدان لا وعود كاذبة". واستعرضت خلال آخر ظهور لها في إذاعة محلية خاصة مسيرتها، كمديرة لشركات صناعية ومشاريع اقتصادية وزراعية، ومؤسسة لمراكز بحوث رائدة عالمياً، مبرزةً أنه لا مجال للتشكيك في نجاحها كسيدة أعمال، فضلاً عن تجربة في رئاسة الجمهورية واحتكاك بقائد السبسي ما أمكنها من اكتساب الخبرة والحكمة والاتزان.

ولم تكن آراء اللومي خلال المراحل العسيرة التي شهدتها البلاد ومنظومة الحكم، على قدر من الوضوح بما يسمح بتحديد حقيقة موقفها من مسائل ساخنة على غرار التحالف مع حركة "النهضة"، مع أنها أكدت في حملتها أنها لن تتحالف معها. وكذلك بالنسبة لعدم وضوح موقفها بشأن المساواة في الإرث، ما يبقي آراءها وتصوراتها في هذا الشأن ضبابية.

ويرتكز برنامج اللومي الانتخابي على اثنتي عشرة نقطة "تصنع تونس الجديدة" منها؛ الحرب على الإرهاب، ومقاومة الفساد، وتغيير نظام الحكم لتوحيد مركز القرار، وتدعيم الدبلوماسية الاقتصادية، وتحسين ظروف الجالية التونسية في الخارج، ومصالحة سياسية واجتماعية وجبائية ونقدية شاملة.

عبير موسي

لا تخفي المترشحة عبير موسي (44 عاماً) وهي محامية، أنها إعادة إنتاج لخطاب حزب "التجمّع" المنحلّ واستحضار لصورته في الذهنية الشعبية، بل تعتبر ذلك عاملاً من عوامل استقطاب فئة من التونسيين المتضررين بأي شكل من الأشكال من سقوط نظام بن علي. لذلك، قامت وعودها الانتخابية على إعادة البلاد إلى ما كانت عليه خلال تلك الحقبة، وكثيراً ما نادت حتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية إلى تعديل الدستور من أجل تعديل النظام السياسي واستبداله بنظام "يقطع التشتت". وتعتبر موسي الثورة "خطأً فادحاً أضرّ بالبلاد وجلب منظومة حكم فاشلة". وإن كانت تعتبر أنّ حزبها تعرّض لمحاولات إقصاء من خوض الانتخابات، عبر مبادرات تشريعية، فإنّ برنامجها الانتخابي يقوم على اجتثاث الإسلام السياسي واستبعاده.

ولا تعدّ موسي حديثة عهد في السياسة، بل كانت قد انتمت إلى حزب "التجمّع" المنحلّ والذي سعت إلى الحيلولة دون حله قضائياً. ومن الصفوف الخلفية للجنة المركزية لـ"التجمّع" إلى الصفوف الأولى لحزب يمثل استمراراً له، وهو "الحزب الدستوري الحر". ومن الموقعين، حافظت موسي على مقولات وممارسات "التجمّع"، بل واستثمرت هذه الصورة لاستقطاب بقايا منخرطيه وبعض من محركيه سابقاً، علاوة عن التونسيين الغاضبين من تدهور الأوضاع الاقتصادية التي رافقت مسار الانتقال الديمقراطي وتعثّر الحكومات المتعاقبة.

وتمثّل معاداة حركة "النهضة" عماداً ثابتاً في كل خطابات موسي خلال الحملة الانتخابية، بالتوازي مع ثوابت أخرى من بينها الثأر للتجمعيين و"الدساترة" بالاحتفال بمئوية الحزب السنة المقبلة في قصر قرطاج عبر ديمقراطية الصناديق التي كرستها الثورة التي تعاديها موسي ومَن معها.

بلا مواربة، تعدّ موسي مرشحة ذات طبع حاد، ومفاجأة الانتخابات، ففيما انغمست الطبقة السياسية في المناكفات السياسية خلال السنوات الماضية ولم تعر لموسي ومريديها اهتماماً وأساءت تقدير حجمها، كانت هذه الأخيرة تصعّد من خطابها وتجمع خزاناً انتخابياً، وتعيد ترتيب صفوف الغاضبين من الثورة والطبقة السياسية التي أفرزتها.