الله يوسع عليكم قبر الآخرة

06 ابريل 2015

من تظاهرات حركة 20 فبراير في الرباط (26 أغسطس/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

لأول مرة في المغرب يبدي الشباب اهتماماً بالغاً بمشروع القانون الجنائي المعروض على أنظار البرلمان للنظر فيه وإقراره.

وبقراءة سريعة للمسودة، يبدو جلياً أن من "سهر" على تدبيجها كانت عينه حمراء، ومتجهة إلى الجانب الأمني، حتى أسكرته النشوة، فضرب بالحقوق عرض الحائط، وعاد بالمغرب إلى سنوات الرصاص، حين كان المواطنون يحاكمون ويقضون سنوات "محترمة" في سجون المملكة، لأسباب تافهة ومضحكة، مثل ضبطهم في الشارع يحملون تحت آباطهم جريدة "المحرر" المرخص لها من دائرة المطبوعات، والتي كانت تباع مثل أي صحيفة أخرى في الأكشاك، أما إذا وجدوا في مكتبتك منشورات دار التقدم التي كانت تصدر من موسكو، ولاحقا كتب سيد قطب وأشرطة الشيخ كشك، فابشر بالهلاك، وعلى والدتك الطيبة أن تتحمل سنوات "القفة" وعذاباتها.

في تلك السنوات السوداء كان "زوار الفجر" شديدي النشاط، وكانت الاختفاءات مألوفة، الأصدقاء، أبناء الجيران، المدرسون الطيبون، رفاق الدرب في الجامعة، عمال المصانع، وأحياناً نادلو المقاهي الذين كانوا يرفضون "التعاون"، أو التحول إلى عيون لأجهزة وزارة الداخلية. إنها الفترة التي كان فيها المغرب شريفا معافى، فما زلت، مثل عدد من شركائي في المجموعة 26 نتنسم طعم دجاج الأمهات المحمر، الذي كان يصل إلينا في الزيارات الأسبوعية.

هذا هو الجو الذي يريد من وضع مشروع هذه "المسودة" أن يوصل البلاد إليه، وكأنه يريد، عن سبق إصرار وترصد، إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ضاربا بالخطوات التي حاولت طي صفحة الماضي عرض الحائط، ومتناسياً أن تشريعاً كهذا لن يساهم إلا في توتير الأجواء، وإحداث حالة من التربص، ستؤدي إلى نكسة حقوقية كبيرة، تتحول معها البلاد إلى سجن كبير، تنشط فيه المطاردات القضائية والدعاوى الكيدية والتربص الأمني، والنتيجة أن الضغط سيرتفع في الطنجرة، وهيا إلى الانفجار من جديد!

وبالمقارنة، يبدو أن القانون الحالي جنة، على الرغم من الملاحظات عليه، قياساً إلى المشروع الجديد، علماً أن العقل التشريعي المغربي كان دائما محط إعجاب وتنويه، لمحاولته الترافق مع روح القوانين المحيطة به، وأجلاها، التشريع الفرنسي.

فماذا حدث يا ترى؟ وهل إثقال المدونة القانونية بمزيد من العقوبات السالبة للحرية، وخصوصاً في الجوانب المتعلقة بأشكال ممارسة حرية التعبير، وتدقيقا، في الوسائط المستجدة مثل "فيسبوك" و"تويتر" والمدونات والمواقع الإلكترونية، أو في جوانب أخرى متصلة بالتعابير الدينية والمعتقدات الفكرية، أو بأشكال السلوك الاجتماعي، أو بدرجات الفعل الاحتجاجي، حتى أن فناناً ساخراً مغربياً مشهوراً يردد دائماً، أنه ربما سيأتي وقت تحتاج فيه لكي "تجتمع" مع زوجتك إلى ترخيص من الداخلية، وربما ستصدق، أخيراً، هذه النبوءة الساخرة!

يحاول النشطاء المغاربة، اليوم، قيادة حملة واسعة وتنسيقها ضد مشروع القانون هذا، ويرون أن إقراره يهدد استقرار البلاد، لأنه سيفسح المجال رحباً أمام المطاردات البوليسية، التي إن وجدت مرتكزا قانونيا لها، فعلى البلاد السلام.

من سوء حظ المغرب، أن المجتمع السياسي الذي كان نشيطا في السابق، يوجد اليوم في حالة غيبوبة، وقد تجري مباركة المشروع والسكوت على علله، لكن صمت الطبقة السياسية سيدفع ثمنه الفادح المواطنون المغاربة والأجيال الجديدة التي خرجت إلى الشارع في "20 فبراير" لتطالب بالكرامة والعدالة الاجتماعية، وعادت بعد العرض الملكي. فليس هناك أمض من قاض ظالم يستمد شريعته من قانون مستبد.

أوسعوها على مواطنيكم، "الله يوسع عليكم قبر الآخرة".

6A0D14DB-D974-44D0-BAC8-67F17323CCBF
حكيم عنكر
كاتب وصحافي مغربي، من أسرة "العربي الجديد". يقول: الكرامة أولاً واخيراً، حين تسير على قدميها في مدننا، سنصبح أحراراً..