اللااستقرار أضرّ العراقيّين.. نفسياً

اللااستقرار أضرّ العراقيّين.. نفسياً

25 سبتمبر 2014
زيادة 2% في الإضطرابات العصبية بسبب الأوضاع الأمنية (الأناضول)
+ الخط -
صارَ زياد مخلف (43 عاماً) ينامُ قربَ المحال التجارية المغلقة. لا يشعرُ بخشونة الأرصفة. يمشي وحيداً في شوارع فرغت من المارة. لم يعد يعرف ماذا يريد. بات عاجزاً عن التفكير. يساعده بعض الأقارب والأصدقاء. يقدمون له المال والطعام والثياب. كان زياد يعملُ أستاذاً للّغة الإنكليزية في إحدى مدارس منطقة الأعظمية شرقي العاصمة بغداد. فقدَ زوجته وأطفاله الثلاثة في انفجار سيارة مفخخة لدى مرورهم في منطقة الكرادة في يوليو/تموز عام 2013. حادثة أدت إلى إصابته بانهيار عصبي، كما يروي أصدقاؤه.

ماجد هو أحد أصدقائه المقرّبين. يقول لـ "العربي الجديد" إن "زياد كان أحد أكفأ الأساتذة، فضلاً عن كونه من وجهاء المنطقة. إلا أن خسارة عائلته جعله يفقد التفكير والتصرّف بشكل طبيعي مما دفع أصدقاءه إلى عرضه على طبيب نفسي". يتابع أن "حالة زياد صعبة. لا يملك منزلاً يأوي إليه يقيه برد الشتاء وحر الصيف، فضلاً عن انعدام الخدمات الطبية، ناهيك عن الجوع والحرمان الذي يعيشه". ويلفت إلى أن "هذه الحالة لا تخصّ زياد وحده. نصادف الكثيرين في شوارع العاصمة. يعاملهم البعض جيداً فيما لا يعيرهم آخرون أي اهتمام". أما صديقه خالد العاني فيقول لـ "العربي الجديد" إن "قلة خبرة الكوادر الطبية في المستشفيات الحكومية لناحية تشخيص الاضطرابات النفسية والعصبية تعدّ أحد أهم الأسباب التي أخّرت شفاء زياد من مرضه، فضلاً عن منع مرضى آخرين من اللجوء إلى تلك المستشفيات للعلاج، مما يؤدي إلى تفاقم هذه الأمراض".

قلق وكآبة

في السياق، سجلت وزارة الصحة العراقية زيادة في معدل حالات الإصابة بالاضطرابات النفسية والعصبية خلال السنتين الماضيتين، عازية السبب إلى "الأزمات التي عاشتها البلاد". يقول الوكيل الفني لوزير الصحة جبار الساعدي لـ "العربي الجديد" إن "مركز الإحصاء في الوزارة سجل زيادة بنسبة 2 في المائة خلال عامي 2012 و2013، وهي نسبة مقلقة. فشكلت الوزارة لجاناً متخصصة لمتابعة تلك الحالات". وفي مسح أجرته الوزارة بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية عام 2007، تبيّن أن "نسبة الذين يعانون إضطرابات نفسية بلغت 17 في المائة، وخصوصاً القلق والكآبة". ويشرح الساعدي أن "اللجان حددت مجموعة من الأسباب، قد تكون وراثية أو نفسية أو بيئية. كما أن تكتم المريض أيضاً خوفاً من نظرة المجتمع يساهم في ارتفاع النسبة".

ويتابع الساعدي أن "لدى الوزارة مستشفيات مجهزة بكوادر طبية متخصصة تعمل بدوام كامل"، مبيناً أن غالبية العائلات لا ترغب بزج أبنائها في مصحات نفسية خوفاً من نظرة المجتمع إليهم، مما يؤدي إلى تفاقم المشاكل". بدوره، يقول الاستشاري في الأمراض العصبية والنفسية في مستشفى ابن رشد للأمراض النفسية والعصبية رائد بهاء الدين، لـ "العربي الجديد"، "إن هناك خلطاً بين الاضطرابات العصبية التي تصيب الدماغ وتتحكم في عمل الجسم وحركته، والاضطرابات النفسية".

يضيف: "لا يمكن تجاهل ما مر به البلد من أزمات أمنية، وحرب طائفية وتشريد عائلات وقتل أبنائها بوحشية، إضافة إلى معدلات التفجير اليومية في البلاد. جميع هذه الأمور تجعل الجهاز العصبي عرضة للمرض والتعب بشكل متقطع أو مستمر.

ويتابع بهاء الدين أن "غياب التوعية، سواء من قبل العائلة في البيت والشارع أو الجهات المعنية عبر وسائل الإعلام، كان له الأثر الأكبر في ارتفاع معدلات الإصابة باضطرابات مماثلة"، مبيناً في الوقت نفسه أن "عيادات الأطباء النفسيين تكاد لا تخلو من المرضى الذين يعانون الإرهاق جراء ضعف جهازهم العصبي".

حبر على ورق

يرقد رحمن طلال (62 عاماً) في مستشفى الرشاد للأمراض العقلية والنفسية في بغداد منذ العام 2009. يقول لـ "العربي الجديد" إن "معظم الذين في المستشفى يعانون اضطرابات نفسية، لكن بسبب عدم تقبل المجتمع لهم، ازدادت حالاتهم سوءاً". يضيف أنه "يصعب مواجهة المجتمع أو الخروج إلى الشارع والاندماج. الناس لم تغير نظرتها إلينا". ورغم صدور قانون الصحة النفسية عام 2005، بهدف تأمين رعاية مناسبة للذين يعانون اضطرابات نفسية، فإنه لا يزال حبراً على ورق، ولم يدخل حيّز التطبيق إلا من باب ضيق. إذ يُعيق الخدمة النفسية في العراق الافتقار إلى الموارد البشرية والمالية، فليس في البلد سوى ثلاثة مستشفيات لعلاج الأمراض النفسية، إضافة إلى خدمة الاستشارة النفسية التي أدخلتها منظمة "أطباء بلا حدود" في مستشفى اليرموك في بغداد، إضافة إلى مستشفى آخر في الفلوجة.

دلالات

المساهمون