الكاميرا الخفية

الكاميرا الخفية

20 اغسطس 2014

جندي إسرائيلي يطلق طائرة تجسس باتجاه قطاع غزة(4 أغسطس/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

يستحق ابني الأصغر جائزة مُميزة، لأنه تنبأ بما يمكن اعتباره خيالاً علمياً، وحين أخبرت الجميع بتنبؤاته، سخروا وقالوا لي: خيالك واسع، أنت وأولادك، ولكنني متيقنة، تماماً، أن كل اختراع قد بدأ بخيال، أو بين دفتي روايةٍ من روايات الخيال العلمي، فابني، وفي أثناء العدوان على غزة، وحين كنا على مائدة السحور في رمضان، نبّهني، أنا وإخوته، أن علينا عدم الحديث بمعلومات عن القادة والمقاومين في الفصائل الفلسطينية، فربما دسّت المخابرات الإسرائيلية وزرعت أجهزة مراقبة وتنصت داخل البيوت.

قال ذلك، وضحكنا كثيراً، بينما صوت طائرة الاستطلاع فوق رؤوسنا، وإن هي إلا أيام قليلة، حتى عثر أهالي رفح على طائرات تجسس صغيرة، حجمها لا يزيد عن حجم كف اليد تدخل إلى بيوتهم، وتنحشر في أماكن ضيقة. وبالفعل، كانت هذه الطائرات إحدى الوسائل التي استخدمتها إسرائيل في البحث عن المقاومين، ومنافذ ومخارج أنفاقهم، كما تدّعي، وتلك الطائرات أميركية الصنع، تلتقط صور ذات جودة عالية جدًا، بصيغة "4k" الخاصة بالتصوير السينمائي، وبدقة وضوح منظومة "HD".

وإن كانت تلك الطائرات التي تعتبر أحدث أجهزة التجسس، واستخدمت في حرب غزة، فإن رونين برجمان، خبير الاستخبارات الإسرائيلي، قال إن "رصد مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت أقل ما يمكن أن تتوقعه من أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية"، أي أن إسرائيل استخدمت "فيسبوك"، مثلاً، لتجنيد العملاء والحصول على معلومات عن المقاومة في غزة. ويزيد برجمان، في تماهيه وتفاخره بقوله: "إذا فتحوا بعد 50 عاماً الملفات السرية لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، المتمثلة في الموساد والشين بيت، وجهاز المخابرات العسكرية، ستجد أن الأجهزة الإلكترونية المتطورة التي تستخدمها إسرائيل  في قطاع غزة، ستضع أفلام العميل السري جيمس بوند الأسطورية في وضع محرج".

على ذلك؛ تعتبر إسرائيل أجهزة ووسائل تجسسها الأكثر تطوراً في العالم، وأثبتت نجاعتها على مدى حلقات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ما حدا بالفصائل الفلسطينية، حسب اعتقاد إسرائيل، ومع شعورها بالخطر، الطلب من إسرائيل تسليمها قوائم بأسماء العملاء المخضرمين في غزة والضفة، مقابل تسليم إسرائيل معلومات عن مصير الجنود الأسرى خلال العدوان.

لا أعتقد أن المقاومة الفلسطينية قد تأثرت كثيراً بهذه الأجهزة والوسائل الاستخباراتية التي استخدمتها إسرائيل، وما زالت، بدليل نتائج الحرب على غزة في الواقع، لأن السؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت إسرائيل تمتلك كل هذه الأجهزة والوسائل، فكيف استطاعت المقاومة أن تحفر هذه الشبكة الهائلة من الأنفاق، التي يتخطى طولها عشرات الكيلومترات، والتي حفرها رجال المقاومة الفلسطينية، بوسائل بدائية للغاية، تحت حصار خانق، استمر ثماني سنوات، وإسرائيل تتحكم بالأرض والبحر والسماء، وتراقبهم  بكل ما يمكن أن يحمل آلة تصوير من طائرات بدون طيارات، والمناطيد والأقمار الصناعية، وكيف استطاعت هذه السواعد التخلص من هذه الكميات من الرمال من باطن الأرض،  وهم تحت آلة الرصد الإسرائيلية المتطورة تلك.

هنا، يحضرني مشهد من مسلسل "دموع في عيون وقحة"، والذي تناول قصة العميل المصري المزدوج، أحمد الهوان، الذي استطاع أن يستولي على أحد أجهزة التجسس الإسرائيلي، حيث جند بعد نكسة 1967، حين ألمح في شك لمسؤولي المخابرات المصرية آنذاك، عن عدم دقة احتياطاتهم الأمنية، إلى درجة أن يركب الاتوبيس العام وينادي "الكمسري": محطة المطار السري.. مين نازل؟، وهنا ضحك مدير المخابرات وسأله: وهل هناك فعلاً مطار سري في ذلك المكان؟

على الحدود الجنوبية لغزة، لم تتوقف الطائرات عن قصف إحدى المناطق، وتسارع الإذاعات المحلية للإعلان عن قصف موقع تدريب لكتائب القسام، لكن الواقع أن جيران ذلك الموقع يقسمون أنهم، ومنذ سنوات، لم يروا شبح مقاوم واحد، يدخل أو يخرج، أو يتدرب، أو ينزلق تحت الأرض، أو يخرج منها، فالمكان المعروف والمشهور بأنه موقع تدريب، قطعة أرض منبسطة ككف اليد ظاهرة للعيان.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.