القضاء المصري في ثلاثة أزمنة بعيون "رابطة المحامين الدولية"

القضاء المصري في ثلاثة أزمنة بعيون "رابطة المحامين الدولية"

02 مايو 2014
المحامية اللبنانية في لندن (جاستن تاليس/أ.ف.ب/GETTY)
+ الخط -
عديدة هي التقارير التي تفنّد وضع القضاء المصري قبل ثورة ثناير، وبعدها، وقبل انقلاب الثالث من يوليو/تموز الماضي وبعده. من بين هذه التقارير الحقوقية، عملٌ شارك فيه عدد كبير من الحقوقيّين، وكانت المحامية أمل علم الدين مقرّرته، وهو تقرير فضح العديد من الانتهاكات في فترة شديدة الحساسية تلت ثورة يناير وصولاً الى عزل الرئيس محمد مرسي.

وتكمن أهمية التقرير في فضحه عورات النظام القضائي المصري، الذي يعقد جلسات يومية لمحاكمة معارضين للسلطات المصرية الحالية، أكان من "الإخوان المسلمين" أو غيرهم، والذي أغرق السجون المصرية بمعتقلين سياسيين، وأصدر قبل أيام أحكاماً بإعدام المئات، في خطوة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.

التقرير، الذي كانت علم الدين مقرّرته، يعود الى "رابطة المحامين الدولية"، ويتناول استقلالية القضاء المصري، وقد أعدّته بعثة تابعة للرابطة، زارت مصر في أكثر المراحل حساسية، أي في يونيو/ حزيران 2013، قبل أيام من الانقلاب العسكري على محمد مرسي. وكانت مهمة البعثة متابعة توصيات تقرير لمعهد حقوق الإنسان التابع للرابطة، والصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، حول العدالة وحكم القانون واستقلال القضاء.

تستند نتائج البعثة الى 25 مقابلة، أُجريت مع شرائح متنوعة من القضاة والمحامين والأحزاب والمنظمات الحقوقية. ولما كان عمل اللجنة محدداً بما بين 24 و28 يونيو/ حزيران، فإنّ التطورات المتلاحقة، في ظل أحداث 30 يونيو، دفعتها الى تمديد عمل تحرياتها لتقويم ما إذا كان للتطورات من آثار على ما توصلت إليه من نتائج أولية. وبالفعل، مددت عملها وأجرت مقابلات ما بين أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني 2013.

يشير تقرير البعثة الى أن القضاة أدّوا دوراً رائداً منذ تنحية الرئيس محمد مرسي، في صياغة دستور البلاد، وأشرفوا على استفتاء 2014 الذي أقر الدستور الجديد، وغدوا مركزاً للحياة السياسية في مصر.

الملاحقات القضائية بعد ثورة يناير

يقول التقرير إنه منذ ثورة 2011، لا تزال الجرائم التي اقترفتها قوات الأمن تحت سمع وبصر الحكومات المتعاقبة، في معظمها، بلا متابعة، فيما "يظل المعارضون السياسيون تحت الملاحقة القضائية الحثيثة".

ويدخل التقرير في تفاصيل ومراحل هذه الملاحقات القضائية بحق المعارضين: الأولى، هي الفترة القصيرة من حكم العسكر عقب ثورة يناير، والتي شهدت ملاحقات قضائية، بسبب الجرائم التي ارتُكبت في حق القوات المسلحة، مثل جناية إهانة الجيش؛ وكان عدد الملاحقين بهذه التهمة أكثر عدداً ممّن جرت ملاحقتهم قضائياً بتلك التهمة طيلة 30 عاماً من حكم حسني مبارك. ويشير التقرير الى تقديم أكثر من 12 ألف مدني الى المحاكمات العسكرية وادانة الغالبية العظمى منهم.

المرحلة الثانية خلال رئاسة مرسي، وجرى خلالها استهداف أولئك الذي أساؤوا الى رئيس الجمهورية. وفاق عدد الملاحقات القضائية بهذه التهمة، ما جرى خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود من حكم مبارك. كما أن أعداد المحكوم عليهم بالسجن بتهمة الاساءة الى الإسلام زادت بوضوح تام. وأبرز القضايا المتعلقة بالإساءة الى رئاسة الجمهورية تلك المرتبطة بالإعلامي المصري الساخر باسم يوسف، إضافة الى قضية المدوّن والناشط أحمد دومة (المعتقل حالياً من قبل السلطات المصرية).

أما المرحلة الأخيرة، بعد الانقلاب، فقد شهدت، بحسب التقرير، "تحريك عدد مذهل من الملاحقات القضائية ضد عناصر من "الاخوان المسلمين"، بينها رئيس الجمهورية السابق وقيادات تنظيم "الاخوان"، فضلاً عن آلاف آخرين". ويقول التقرير إن نحو 3 آلاف جرى اعتقالهم ما بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول 2013، من أعضاء ومؤيدي حزب "الحرية والعدالة"، وهو حزب "الاخوان".

ويشير التقرير الى فصل 75 قاضياً بسبب تأييدهم لمرسي، ومطالبة نادي القضاة بتأديبهم من قبل مجلس القضاء الأعلى.

ويؤكد التقرير أن سجلّ الملاحقات القضائية الانتقائية يحطّ من فرص التحوّل السلمي والمصالحة في مصر، وكذلك من الحق في حرية التعبير في الديموقراطية الجديدة، مشدداً على دور السلطة القضائية في الانتقال الى دولة ديموقراطية جديدة تُحاسَب عن الانتهاكات.

"صراع إيديولوجي" بين مرسي والقضاة

أما بشأن السلطة القضائية في ظل حكم مرسي، فيشير التقرير الى النزاع بشأن "الإعلان الدستوري" المثير للجدل، الذي أصدره الرئيس المعزول، للدلالة على "الصدام الإيديولوجي بين الحكومة والقضاء". وينقل التقرير عن بيان للقضاة، صدر إثر حادثة تطويق مبنى المحكمة الدستورية، قبيل اجتماعها للفصل في دستورية عمل اللجنة التي صاغت الدستور، من قبل متظاهرين موالين لمرسي، إن تلك المناسبة كانت "أكثر أيام القضاء المصري سواداً في التاريخ".

وخلال عرضه مراحل الصراع بين مرسي والقضاة، يتوقف التقرير عند قرار المحكمة الإدارية، القاضي ببطلان الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي في 22 فبراير/ شباط 2013، وإحالة قانون الانتخابات الى المحكمة الدستورية، ثم إعلان مرسي احترامه لقرار المحكمة ونزوله عند الإرادة القضائية.

إنّ تفاصيل الأحكام والقرارات التي يتطرق إليها التقرير (بطلان مجلسي الشورى والنواب اللذين يسيطر عليهما "الإخوان" وبطلان قرار مرسي بإجراء الانتخابات النيابية وتعيين طلعت عبد الله نائباً عاماً) يبيّن حالة "الصراع"، كما يصف التقرير، بين مرسي والجهاز القضائي، غير أن هذا النزاع، وهو الأصح تعبيراً، يعبّر عن حالة ديموقراطية صحية، إذ تعمل السلطة القضائية على تحرير نفسها من قيود السلطة التنفيذية والتحرّر بغرض تأمين استقلاليتها، وإن كان التقرير لا يذكر ذلك بوضوح.

ويقول التقرير إن الاقتصاد كاد ينهار في عهد مرسي وتفاقمت الجريمة، وإن كثيرين اعتبروا بعض قرارته مؤشراً الى أسلمة الدولة. ونقل التقرير عن الحقوقي شريف بسيوني أنه "من الواضح أن مرسي كان يسير بالبلاد على الطريق الدينية".

انقلاب "شرعي"

وحول انقلاب 30 يونيو، يقول بسيوني: إنه انقلاب عسكري، لكن انقلاب له شيء من الشرعية، بعدما لجأ الجيش الى الشارع للالتفاف على الدستور، الذي أقره مرسي.

ويؤكّد التقرير أنه بعد الانقلاب، "ارتكبت قوات الأمن أخطر حالة من حالات القتل الجماعي غير المشروع في تاريخ مصر الحديث، حين فرّقت بالقوة المفرطة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة". وينقل عن منظمة "العفو" أن أعداد المعتقلين تجاوزت الـ3 آلاف.

استقلال القضاء

يؤكد تقرير رابطة المحامين الدولية، أن استقلال القضاء هو أحد ركائز أي دولة ديموقراطية، وشرط مسبق لحكم القانون، وضمان أساسي للمحاكمة العادلة. ويقول إن هذا المبدأ ظل مكفولاً في الدساتير المصرية والاعلانات المتلاحقة، قبل الثورة وبعدها.

ويضيف أن نظام تعيين القضاة في مصر، يترك مهمة التعيين للقضاة. لكنّ هناك دوراً للسلطة التنفيذية، من خلال وزير العدل، الذي يعيّن رؤساء المحاكم الكبرى وقضاة التحقيق، ورئيس الجمهورية الذي يعيّن النائب العام. وهذا الدور للسلطة التنفيذية يفتح الباب أمام اتخاذ قرارات مسيّسة من قبل القضاء.

ينقل التقرير شهادات محامين وقضاة، تفيد بأن عملية التعيين ليست رهناً بالكفاءة، وأن أبناء القضاة يرثون آباءهم، وإن كانوا غير مؤهلين. يورد مثلاً أن رئيس محكمة طنطا له 21 ابناً وأبناء أخ، جميعهم، من دون استثناء، إما قضاة أو أعضاء نيابة. كما شكا القضاة من وجود أعداد مُبالغٍ فيها من رجال الشرطة السابقين في سلك القضاء. إضافة الى أن بعض القضاة استخدموا نفوذهم لتعيين مقرّبين منهم.

كما يورد التقرير نماذج عديدة حول عدم استقلالية القضاة عن السلطة التنفيذية (ونماذج مماثلة عن النيابة العامة)، ومنها قيام وزير العدل بنقل عدد من القضاة لوظائف غير قضائية، وتأديبهم. إضافة الى مشكلة التمثيل غير المتناسب للنساء في الجهاز القضائي (42 قاضية من أصل 12 ألف، رغم تساوي الإناث والذكور في كلية الحقوق)، ومشكلة عدم توفر الموارد المادية الكافية لتمكين السلطة القضائية من أداء مهامها بطريقة سليمة.

المحاكم العسكرية

يؤكد التقرير أن استقلال القضاء يتضرّر كثيراً عند استخدام المحاكم الاستثنائية. ويلحظ أنه في عام 2011، ازداد عدد المشتبه بهم من المدنيين الذين مثلوا أمام محاكم عسكرية منذ الاطاحة بمبارك. ويؤكد أن اللجوء الى المحاكم العسكرية ومحاكم الطوارئ لمحاكمة المدنيين ينال من نظام مصر القضائي، ويعجز عن الوفاء بالمعايير الدولية التي تكفل الحق في قضاء مستقل ومحايد.

ويقول إن محاكم الطوارئ مثار قلق لأن قضاتها يعيّنون من قبل السلطة التنفيذية. ورغم أن حالة الطوارئ رُفعت في يونيو/ حزيران 2012، غير أن المحاكم العسكرية ظلت تعمل في عهد مرسي. واستمرت بعد الاطاحة بالأخير، غير أنها انعقدت "خارج القاهرة كي لا تلفت النظر إليها"، وفقاً للتقرير. ويعرض مثالاً على ذلك، حالة الصحافي أحمد أبو دراع، الذي اتُّهم بنشر أكاذيب ضد القوات المسلحة، ويُحاكم أمام محكمة عسكرية خاصة في السويس (بدأت في 15 سبتمبر/ أيلول الماضي). وكشف أبو دراع ما تيسّر له ممّا يجري خلال العملية العسكرية في سيناء، والتي تشهد، بحسب مراقبين حقوقيين كثر، انتهاكات فاضحة يقوم بها الجيش المصري بحجة مكافحة الإرهاب.

كما يورد التقرير أن هناك نحو 64 من أعضاء "الإخوان" البارزين (في الفترة التي أُنجز فيها التقرير)، بدأت محاكمتهم العسكرية، إضافة الى صحافيين (بينهم محمد صبري).

المحاسبة عن جرائم قوات الأمن

يقول التقرير إن الأنظمة الثلاثة التي تلت مبارك، النظام العسكري وحكومة مرسي، وما بعد مرسي، "عجزت عن الملاحقة القضائية لحالات الانتهاكات لحقوق الإنسان". في عهد الحكم العسكري الانتقالي، لم تؤدِّ توصيات لجنة تقصي الحقائق الى ملاحقات قضائية تذكر، في ظل إفادات للمجتمع المدني وسياسيين حول انحياز أعضاء النيابة العامة والقضاة لصالح قوات الأمن وحكومة مبارك. ولم يتغيّر الوضع في عهد مرسي "وكانت هناك خيبات أمل"، وفقاً للتقرير. واستمرت الحصانة الحكومية لانتهاكات القوات الأمنية بعد الاطاحة بمرسي (وفي ظل المحاكمات الكيدية التي تجري الآن بحق الإخوان، فإن هذا السجل الحكومي سيتضخّم).

ويخلص التقرير الى أن "سجل الملاحقات القضائية، خلال السنوات الثلاث الماضية، يشهد على انعدام المحاسبة في العلاقة بالجرائم التي ترتكبها قوات الأمن.

المساهمون