القضاء الليبي... إصلاح أم إعادة بناء؟

27 يونيو 2014
سيف الإسلام القذافي خلال إحدى المحاكمات (محمود تركية/فرانس برس/Getty)
+ الخط -

يتعرّض القضاء الليبي لموجة من الانتقادات، خصوصاً بعد تلكؤ المؤسسة القضائية في إصدار أحكام بحق متهمين كبار من النظام السابق متهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب الليبي أثناء انتفاضته في 17 فبراير/ شباط، وفي مقدمتهم مدير الاستخبارات السابق، عبد الله السنوسي، ونجل العقيد الراحل معمر القذافي، سيف الإسلام.
وقد زادت الشكوك حول توجهات القضاء الليبي السياسية، ومن ضمنه أعلى مؤسسة هرمية، هي المحكمة العليا، التي شكك قانونيون كبار، كمدير "مركز بن وهب" للدراسات الشرعية والقانونية، محمود سلامة الغرياني، في حكمها الصادر بعدم دستورية تنصيب حكومة أحمد معيتيق، في التاسع من يونيو/ حزيران الجاري.
ويتكوّن الجهاز القضائي الليبي من محكمة عليا تمثّل أعلى الهرم القضائي، تتبعها محاكم استئناف فيها دوائر للقضاء الجنائي والإداري، وأسفل السلّم القضائي المحاكم الابتدائية والجزئية.

ضعف وخضوع
ويعتبر الخضوع لـ"الإملاءات الخارجية"، وضعف المستوى الفني، بسبب المحاباة في الاختيار من رؤساء المحاكم، وعدم جدوى الدورات المعدّة لتأهيل رجال القضاء والنيابة، من أهم ما يواجه القضاء الليبي من مشاكل، بنظر بعض المختصين في القضاء الليبي، سواء من الدولة، أو من المحيط الاجتماعي.

ويعتقد المختصون أن نهضة القضاء مرهونة بتفعيل التفتيش القضائي، الذي يعاني هو الآخر من سيطرة أعراف اجتماعية لم يُسهم بسببها الجهاز في دعم العمل القضائي في ليبيا.

ويشدد قانونيون على أن عملية الهيكلة والتطهير، يجب أن تطال الموظفين في الجهاز القضائي، الذين ساهموا في إضعاف ثقة المواطن بالقضاء بسبب تلقيهم للرشى.

وبات المجلس الأعلى للهيئات القضائية، يتمتع، بعد الثورة، بالاستقلالية التامة، إذ استبعد وزير العدل من منصب الرئيس للمجلس، واقتصرت عضويته على رئاسة المحكمة العليا، والنائب العام نائباً للرئيس، وباقي أعضائه هم رؤساء محاكم الاستئناف على مستوى ليبيا.

ويطالب المختصون بأن تقتصر مهمة المجلس الأعلى للهيئات القضائية على عزل المقصّرين أو الفاسدين من القضاة، بعدما تم تشكيل المجلس عن طريق الانتخاب.

ويشير هؤلاء إلى أنه على المجلس الأعلى للهيئات القضائية أن يفتح باب الشكاوى أمام المواطنين، تحديداً لكل مَن تأذى أو تعرّض للظلم من مؤسسة القضاء، وأن يثبت شكواه، ويجري التحقيق فيها، فإذا ما ثبتت صحة الشكوى، يُحال القاضي أو عضو النيابة المشكو منه إلى الخدمة المدنية.

لكن المجلس الأعلى للهيئات القضائية، تعرّض لهزّتين عنيفتين، تمثلت الأولى بتقديم شكاوى ضد رئيسه، المستشار علي احفيظة، بتهمة التواطؤ مع النظام السابق أيام ثورة 17 فبراير، والثانية دخول احفيظة على خط العمل السياسي بعد دعوة المجلس لأطراف محلية للجلوس إلى طاولة الحوار، وهي دعوة لاقت رفض هيئة الستين لكتابة الدستور.

وفي إطار تصاعد الانتقادات لدور المؤسسة القضائية، طفت أسئلة على السطح عرّت جميع مؤسسات الدولة الليبية، وكشفت الخواء العميق الذي ينخرها.

وتمحورت التساؤلات حول إمكانية إصلاح القضاء من داخله، وعمّا إذا كان ثمّة ضرورة لعملية إعادة بناء كاملة للقضاء، إذ يشدد القضاة المحافظون على ضرورة الصبر على المؤسسة القضائية وإصلاحها من داخلها حتى يستقيم عودها، ويؤكدون أن استمرار القضاء هو ضرورة في هذه المرحلة، وأنه لا يجب أن يسقط كما سقطت المؤسسة الأمنية بسبب انحيازها للنظام السابق.

وفي مقابل ذلك التوجّه، يطالب آخرون من داخل القضاء ومن خارجه، بضرورة إجراء جراحة مؤلمة للقضاء الليبي، تتلخّص في إقالة كل الفاسدين وإعادة هيكلة المؤسسة، ولو تم ذلك من خلال الاستعانة بأجانب، وهو ليس بالأمر الغريب على بلد لا يزال في أول نشأته، وكان قضاة المحكمة العليا فيه من المصريين.

وقد اتهم بعض القانونيين الأكثر راديكالية، وكلاء نيابة وقضاة بتبرئة متورطين من النظام السابق في جرائم قتل ونهب أموال، وحمل سلاح ضد الليبيين إبان اندلاع الثورة الليبية، ولا يزالون يباشرون أعمالهم، ولم تتم تنحيتهم أو إحالتهم على الأعمال المدنية.

ووسط هذا الجدل عن كيفية إصلاح القضاء، والتخوّف من أن يشكل القضاء ذراعاً سياسية لطرف على حساب طرف آخر، خرج بعض الإسلاميين من ذوي التوجهات الراديكالية يطالبون بقضاء شرعي مبني على أسس من الشريعة الإسلامية، من دون توضيح مطمئن لطبيعة هذا النوع الجديد من القضاء.