القصف العشوائي: كابوس أهل طرابلس

القصف العشوائي: كابوس أهل طرابلس

22 نوفمبر 2019
المباني والمنشآت المدنية تحت مرمى النار (حازم تركية/ الأناضول)
+ الخط -
يعيش أهالي الأحياء الخلفية لمحاور القتال في العاصمة الليبية طرابلس، لا سيما صلاح الدين، وعين زاره، منذ ثلاثة أسابيع، تحت وابل من القذائف العشوائية التي تطلقها المدفعية وراجمات الصواريخ التي لم تعد تبعد عنهم سوى بضعة كيلومترات، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة، بينما تكافح فرق تابعة للجيش بقيادة حكومة الوفاق، للوصول الى أسرة عالقة في جنوب طرابلس. يقول عاصم المدني، أحد سكان حي صلاح الدين، لـ"العربي الجديد"، إنّه يعيش وأسرته خوفاً وذعراً مستمرين، فقد تلقى الحيّ حتى الآن عدة قذائف عشوائية تسببت في مقتل جيران لهم. وعما إذا كان يفكر في النزوح، يردّ: "أغلب جيراني ممن نزحوا لم يتركوا بيوتهم فارغة فلهم أبناء يمكن الاعتماد عليهم لحراسة منازلهم، أما أنا فأولادي أطفال وسيكون بيتي مهدداً بالسرقة والعبث إذا تركته". يضيف: "حتى إذا نزحت، فليس لديّ مكان يمكنني الهرب إليه ولا أعرف كم سأبقى بعيداً عن بيتي".

حالة المدني، وهو شاب وأب لطفل وطفلة، لا تختلف كثيراً عما يعيشه الهادي الشكري، الذي يقطن حي السدرة بمنطقة عين زاره. يقول إنّ وضعه أشد خطورة، فـ"محاور القتال باتت قريبة، وتهديد قذائفها العشوائية بات أكثر خطورة". لا يبعد حيّا فاطمة الزهراء والاستراحة الحمراء، وهما أكبر مسارح القتال في منطقة عين زاره، عن منزل الشكري كثيراً، لكنّ القذائف العشوائية غير معروفة المدى، فحتى حي الهضبة المجاور لصلاح الدين يعبّر سكانه عن المخاوف نفسها. ويصف عبد الرحمن عمارة، أحد سكان الهضبة، ليلة سقطت فيها قذيفة أودت بحياة طفلة وامرأة مسنة بـ"المفزعة".

يوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الوقت كان ليلاً ولم يكن أمامنا سوى البقاء في بيوتنا وإطفاء الأضواء خوفاً من القصف الجوي". يضيف أنّ "بعض السكان هرعوا لإسعاف الأسرة، فيما فضّل آخرون البقاء بعيدين عن خطر سقوط قذيفة ثانية". يشير عمارة إلى أنّه ولد في هذا الحي، ويعيش فيه رفقة أسرته منذ 46 عاماً، ويتساءل: "أين أفر وأنا أرى حال من ترك بيته ويعيش في ظروف بؤس شديد في مراكز اللجوء؟".



منذ مقتل ثلاث طفلات شقيقات بحي الفرناج، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعقبها بيومين طفلين وإصابة والدهما في عمارات حي صلاح الدين، أحصى مركز الطب الميداني والدعم التابع لحكومة الوفاق وفاة أربعة أطفال وخمسة مواطنين آخرين في مختلف الأحياء القريبة من محاور القتال.

وما زالت قوات الجيش التابعة لحكومة الوفاق، تكافح من أجل الوصول الى أسرة عالقة داخل إحدى مناطق الاشتباكات، فيما أشارت تصريحات بعض قادته إلى اعتقادهم أنّ الأسرة قتل جميع أفرادها من جراء الاشتباكات العنيفة. وبالرغم من توقف عدة جهات محلية ودولية عن متابعة إعلان أعداد النازحين من مناطق جنوب طرابلس، فآخر إعلاناتها في نهاية يوليو/ تموز الماضي، كشفت عن وصول أعدادهم إلى 130 ألفاً. ويعتقد الشكري أنّ الرقم ازداد: "القصف العشوائي الذي تحاول قوات (اللواء المتقاعد خليفة) حفتر تغطية هزائمها من خلاله، أجبر عدداً كبيراً من الأسر القاطنة في الأحياء القريبة من محاور القتال على الهرب من منازلهم".

ويقول: "وإن كان النزوح مؤقتاً، إذ رجعت أسر كثيرة إلى بيوتها بعد هدوء الأوضاع، فإنّ استمرار القصف العشوائي ينذر بموجة نزوح وشيكة". ويلفت الشكري إلى أنّ آثار القصف لا تطاول بيوت المدنيين فقط، بل أيضاً وبشكل يبدو ممنهجاً، المنشآت المدنية والبنى التحتية والمراكز الصحية الميدانية، كما استهدف القصف سيارات الإسعاف والمسعفين أنفسهم بل المدارس أيضاً، كما يقول.

يرجح الشكري أن تكون وراء عمليات القصف وتركيز الحرب على أحياء ومناطق بعينها "سياسة تهجير مقصودة"، موضحاً أنّ "مقاتلي حفتر أغلبهم ينتمون إلى منطقة مجاورة لطرابلس يعتقد أهلها أنّ مناطق الصراع الحالية من حقهم بناء على نزاعات وخلفيات تاريخية قديمة". ويعتبر أنّ "من أبعاد هذه الحرب تفكيك النسيج الاجتماعي وإحياء فتن تاريخية عفا عليها الزمن".



يتفق الشكري والمدني على التحذير من إمكانية أن تجعل القذائف العشوائية الأحياء المجاورة لمحاور القتال مناطق منكوبة أسوة بمناطق داخل أحياء عين زاره ووادي الربيع وكامل قصر بن غشير التي تعدّ اليوم مناطق منكوبة بسبب الحرب.

ويتحدث المدني عن قسوة الظروف التي تعيشها أسر أجبرت على النزوح، بسبب غلاء الإيجارات وتوقف نسبي في تقديم المساعدات الإنسانية من قبل الحكومة، مشيراً إلى أنّ "أغلب تلك الأسر في الملاجئ تعيش على حسنات الجمعيات الخيرية". يختم: "أترك أسرتي الصغيرة في البيت، وأخرج إلى عملي الخاص لتوفير قوت اليوم، لكنّ الأمر لن يكون متاحاً في حال إجباري على النزوح، فكيف يمكنني العمل وترك أسرتي في ملجأ وحدها؟".