القصف التركي لمحيط عين العرب: ضغط يصعب تحوله لاجتياح

أمين العاصي

avata
أمين العاصي
30 أكتوبر 2018
800342BB-A2CB-4B88-A382-D3469DC672B8
+ الخط -
فتح قصف مدفعي تركي لمواقع تابعة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية، يوم الأحد، في ريف حلب الشمالي الشرقي، الباب واسعاً أمام تساؤلات متعلقة بمصير منطقة شرقي الفرات، التي يبدو من خلالها الجيش التركي متحفزاً لشنّ عملية واسعة النطاق لضرب الفصيل المدعوم بشكل مباشر من الولايات المتحدة، وتعتبره ذراعاً عسكرياً برياً لها في سورية في الحرب مع تنظيم "داعش". ولطالما أثّر الدعم الأميركي للأكراد من "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) على العلاقة بين أنقرة وواشنطن، التي لا يبدو أنها ستعطي ضوءاً أخضر للجيش التركي لشنّ هجوم عسكري على المسلحين الأكراد في شمال سورية وشمال شرقيها. وكان الجيش التركي قد قصف، يوم الأحد الماضي، مواقع تابعة لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية غرب مدينة عين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي، شرقي نهر الفرات، واستهدف القصف المدفعي غير المسبوق هذه المواقع في منطقة زور مغار، ما أدى إلى مقتل عنصر في الوحدات الكردية، واصابة آخرين. كذلك أشارت مصادر وكالة "الأناضول" التركية إلى أن "القصف المدفعي استهدف مواقع في مناطق مرتفعة ومطلة على الحدود التركية، بهدف إعاقة الأنشطة الإرهابية للمنظّمة، وأعمال بناء الخنادق".

وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الأحد، إنّ بلاده "لن تسمح بأي خطوات أو أمر واقع يفرض في المنطقة رغماً عنها"، مضيفاً في رسالة نشرها على صفحة الوزارة، بمناسبة الذكرى الخامسة والتسعين لتأسيس الجمهورية، أنّ "الأمة التركية بقيادة مصطفى كمال أتاتورك (مؤسس الجمهورية) أظهرت بطولات وبذلت تضحيات توجت بتأسيس الجمهورية".

وكان من اللافت أن القصف التركي جاء بعد يوم واحد من انتهاء أعمال قمة جمعت رؤساء تركيا رجب طيب أردوغان، وروسيا فلاديمير بوتين، وفرنسا إيمانويل ماكرون، بالإضافة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وتناولت شؤوناً سورية. ويبدو أن الجانب التركي حصل على ضوء أخضر من روسيا وألمانيا وفرنسا للتعامل مع الوحدات الكردية، ولكن من غير الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة مؤيدة لضرب الوحدات في وقت تقاتل فيه الأخيرة تنظيم "داعش" في شرقي دير الزور.


من جهته، استبعد المحلل أحمد رحال، لـ"العربي الجديد"، أن "يكون القصف المدفعي مقدمة لشن عمل عسكري تركي واسع النطاق شرقي نهر الفرات"، معتبراً أن "القصف لا يعدو كونه ضغطاً تركياً على الولايات المتحدة لإنجاز اتفاق أنقرة وواشنطن حول مدينة منبج، التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، غربي نهر الفرات، منذ عام 2016، ويطالب الأتراك بانسحابها إلى شرقي الفرات". وأعرب عن اعتقاده بأن "الولايات المتحدة تعتبر منطقة شرقي الفرات السورية تداركاً للخطأ الجسيم بالانسحاب من العراق"، مضيفاً أن "شرقي الفرات تعويض للعراق، فواشنطن تطلّ من خلالها على دول المنطقة، تركيا والعراق وإيران، وتؤمّن من خلالها إسرائيل، فضلاً عن كون منطقة شرقي الفرات تضم 90 في المائة من ثروات سورية النفطية وثروة زراعية كبرى".

ولهذه الأسباب استبعد رحال أن تعطي واشنطن في مستقبل قريب ضوءاً أخضر لأنقرة لشن عملية واسعة النطاق ضد الوحدات الكردية في شمال وشمال غربي سورية، مستدركاً بالقول إنه "يمكن أن يعطي الأميركيون الأتراك ميزات معينة على طول الشريط الحدودي السوري التركي ليس أكثر".

وتُعدّ منطقة عين العرب (125 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من حلب)، التي يطلق عليها نشطاء أكراد سوريون تسمية كوباني، من أبرز معاقل الوحدات الكردية في شمال سورية على الحدود السورية التركية، وهي كانت قد سيطرت عليها في عام 2012 بتواطؤ مع قوات النظام بهدف إجهاض الحراك الثوري المدني في المنطقة، فعين العرب ذات الغالبية الكردية كانت من أوائل المدن السورية التي بدأت فيها الثورة ضد النظام في آذار/ مارس من عام 2011.

وحاول تنظيم "داعش" في سبتمبر/ أيلول من عام 2014 السيطرة على عين العرب، ووصل إلى بعض أحيائها، فدارت رحى معركة استمرت أشهراً شارك فيها طيران التحالف الدولي، ما أدى إلى تدمير جزء كبير من المدينة، وتهجير عدد كبير من سكانها. وسيطرت الوحدات الكردية خلال الأعوام الماضية على الكثير من المدن والبلدات الهامة في غربي وشرقي نهر الفرات بدعم من التحالف الدولي، وهو ما شكّل مصدر قلق دائم للجانب التركي، الذي يُشدّد على أنه "لن يسمح بإقامة إقليم ذي صبغة كردية في شمال وشمال شرقي سورية، فمثل هذا الإقليم يُشكّل مساساً مباشراً بالأمن القومي التركي، وربما يكون مقدمة لمطالبة الأكراد في تركيا بإقليم مماثل تعتبره أنقرة خطاً أحمر".

وسبق للجيش التركي أن قام بعمليتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، لطرد الوحدات الكردية مطلع العام الحالي من مدينة عفرين، شمال غربي حلب. ودأب المسؤولون الأتراك على القول إن "سيناريو غربي الفرات سيتكرر في شرقه"، مهددين بعملية مماثلة لضرب الوحدات الكردية في الشريط الحدودي السوري الممتد من مدينة عين العرب غرباً وحتى الحدود السورية العراقية شرقاً، مروراً بمدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، والقامشلي، أبرز المدن ذات الغالبية الكردية التابعة لمحافظة الحسكة، مركز الثقل السكاني للأكراد في سورية.

ولكن الحماية الأميركية المباشرة للوحدات الكردية وتمركز قوات أميركية وغربية في منطقة شرقي الفرات، يحولان دون قيام الأتراك بشن هجوم واسع، بعد إجهاض واشنطن أكثر من عمل عسكري كان الجيش التركي ينوي القيام به غربي الفرات باتجاه مدينة منبج، شمال شرقي حلب، وفي شرقي الفرات باتجاه مدينة تل أبيض ذات الغالبية العربية.

ودعمت الولايات المتحدة منذ عام 2014 الوحدات الكردية حتى باتت تسيطر تحت غطاء "قوات سورية الديمقراطية" على نحو ربع مساحة سورية. وتسيطر هذه القوات اليوم على معظم منطقة شرق الفرات التي تعدّ "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية، كما انتزعت السيطرة من تنظيم "داعش" على معظم أنحاء محافظة الرقة، وجزء كبير من ريف دير الزور، شمال نهر الفرات، إلى جانب سيطرتها على معظم أنحاء محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، وأجزاء من ريف المحافظة. كذلك تسيطر على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.

ذات صلة

الصورة
من ضربة روسية في إدلب، أكتوبر 2024 (عزالدين قاسم/الأناضول)

سياسة

بدأت "هيئة تحرير الشام" وفصائل المعارضة السورية، معركة واسعة النطاق غربي حلب ضد قوات النظام والمليشيات الإيرانية، وجهّزت لها عسكرياً وإعلامياً.
الصورة
مقر المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، 30 إبريل 2024 (الأناضول)

سياسة

هدد مشرعون أميركيون المحكمة الجنائية الدولية بمعاقبة أفرادها وصلت إلى حد التلويح باستخدام "قانون غزو لاهاي" ضد الدول التي قد تنفذ أوامر المحكمة.
الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
المساهمون