الفضيحة في الصفعة الإسرائيلية المهينة للكونغرس أنّ ترامب مهندسها

الفضيحة في الصفعة الإسرائيلية المهينة للكونغرس أنّ ترامب مهندسها

16 اغسطس 2019
التعامل الإسرائيلي مع عمر وطليب صفعة للكونغرس(سول لوب/فرانس برس)
+ الخط -
اليقين في واشنطن أن نتنياهو لم يكن ليجرؤ على منع نائبتين في الكونغرس الأميركي من دخول إسرائيل مهما كانت مواقفهما منها، لولا تحريض الرئيس ترامب وإلحاحه على رئيس "الليكود" لاتخاذ هذا الإجراء. تغريدته قبل ساعات من صدور عدم الموافقة على الزيارة تنطق بذلك. وفرت الغطاء لنتنياهو ليحسم بالمنع. الحكومات الإسرائيلية اصطدمت أحياناً مع البيت الأبيض حول مواقف وسياسات شرق أوسطية، كان آخرها الخلاف مع إدارة أوباما حول الاتفاق النووي مع إيران، لكن لم تتجرأ مرّة على تحدّي أو حتى خدش الكونغرس كمؤسسة بهذه الصورة، فهو الدرع الأساسية الواقية لامتيازاتها في واشنطن، وساحة لنفوذ اللوبي الإسرائيلي الذي يتدخل في صياغة قوانينه وقراراته المتعلقة بالشرق الأوسط، بما يكفل ترجيح كفة إسرائيل فيها.

اليوم ولأول مرة انكسرت هذه القاعدة. الكونغرس لم يعد خطاً أحمر في زمن ترامب. حظر سفر النائبتين إلى إسرائيل يحاكي حظر ترامب لسفر المسلمين إلى أميركا. إجراء ضرب صفتهما النيابية بعرض الحائط. مناشدة نتنياهو من جانب قياديين من الجمهوريين والديمقراطيين كانت قبل أيام في زيارة لإسرائيل، لم تنفع، مع أنه وعد بالموافقة على دخولهما. حتى سفير إسرائيل في واشنطن الليكودي القح رون دارمر، كان من دعاة الموافقة، "حرصاً على العلاقة مع الكونغرس"، لكن نتنياهو، المفتوحة قابليته أصلاً على المنع، تراجع وفضّل تلبية رغبة ترامب على عدم المساس بهذه العلاقة، ربما لأنه مدين للرئيس بالقدس والجولان، أو لأن الاثنين من نفس الطينة ويعمل كلاهما الآن بحسابات انتخابية.
في كل حال، مرّ كسر المألوف حتى الآن بدون ثمن، ولا حتى بالتلويح به. النقمة العارمة التي أثارتها هذه السابقة، بقيت في حدود الحكي ولو الصاخب المجبول بالعجز، خصوصاً من جانب الكونغرس، المفترض أن يكون المعني الأول بالموضوع. الفريق الديمقراطي فيه رفع صوت الاعتراض بدرجة عالية. وجه الملامة إلى الرئيس ترامب بارتكاب فضيحة في "تأليب حكومة أجنبية" على نواب في الكونغرس، واكتفى بما يشبه التأنيب لإسرائيل. أما الفريق الجمهوري، فاكتفى بعضه بتسجيل اعتراضه حرصاً على "الديمقراطية الإسرائيلية"، من غير إدانة وأحياناً بشيء من الخجل. ولوحظ أن قيادييه لاذوا بالصمت، إما لأنهم غير منزعجين من الإجراء، وإما حتى لا يثيروا نقمة الرئيس عليهم.
كما بقيت وزارة الخارجية ساكتة. لا تصريح ولا بيان، كما هي الحالة في ظروف من هذا النوع. وحده السفير الأميركي في إسرائيل دافيد فريدمان، الملقب بسفير المستوطنات، أصدر بياناً أقرب إلى مرافعة محامي الدفاع عن قرار المنع. كذلك، بقيت مرجعيات وازنة في مجال السياسة الخارجية من دبلوماسيين ووزراء خارجية سابقين، خارج التعليق على الحدث. عادة يدلون بدلوهم في حالات فارقة من هذا النوع.

لم يأتِ أحد على سيرة المساعدات السنوية التي يسخا بها الكونغرس على إسرائيل، التي وجهت له صفعة مهينة بقرار المنع، ناهيك بوجوب التلويح بهذه الورقة إذا لم يتراجع نتنياهو عن قراره، فهذا ما زال من الممنوعات. وحده المرشح الرئاسي السناتور بيرني ساندرز أشار بالتلميح إلى ذلك. ومع أن الردود كانت هادرة، خاصة في وسائل الإعلام، وبالأخص في وسائل التواصل الاجتماعي، ضد هذا التصرف العنصري، لكنها إجمالاً لم تتجاوز لغة الاحتجاج والرفض. بعضها طالب باستقالة السفير فريدمان الذي بدا أنه أشرف على إخراج القرار بالتنسيق مع نتنياهو. غابت المطالبة بالرجوع عن الحظر.
وبهذه المقاييس، وحدها الردود اليهودية كانت الأشد إدانة للمحرّض والمنفذ. بعضها ناشد اليهود الأميركيين بالعمل "على حث الناخبين الإسرائيليين على الاقتراع ضد نتنياهو" في الانتخابات القريبة. حتى اللوبي الإسرائيلي اضطر لإصدار بيان ضد المنع. طبعاً ليس من باب التضامن مع طليب وعمر، لكن لاستباق أي نفور من المحتمل أن يتكون في الكونغرس الذي لم تخلُ ردوده وأجواؤه من الاستياء بالرغم من رخاوة ردوده على الموضوع. وما أثار مخاوف قوى وأوساط يهودية أميركية متعددة، أن يبدو المنع وكأنه مشاركة إسرائيلية، واستطراداً، يهودية، في حملة ترامب على "الآخرين" في أميركا مثل طليب وعمر، اللتين ارتأى الرئيس أخيراً "عودتهما إلى بلادهما". وهذا أمر حساس جداً بالنسبة إليهم، خصوصاً في وقت يشهد انتعاش ثقافة وقوى "التفوق القومي للبيض" في أميركا، والذي يستهدف الأقليات ومنهم اليهود. ولذلك كانت إدانتهم غاضبة للخطوة التي بالرغم من جوانبها السلبية المقلقة، إلا أنها عادت بالنفع على الحراك المضاد للتوجه العنصري، وتعزيز التضامن بين أطرافه التي تجمعها مصلحة التصدي له.
والفضيحة في ذلك أن ترامب هندس "تطاوله غير المسبوق على الكونغرس".