الفضائيات الخاصة بالجزائر: اعتماد على الدولة وتقليد للصحافة المكتوبة

29 ابريل 2014
+ الخط -

 

بعد طول انتظار، حسمت السلطة في الجزائر خيارها بالذهاب نحو تحرير القطاع السمعي البصري، لكن النقاش، الآن، يدور حول شكل وآليات هذا الانفتاح، إذ ما كان للجزائريين أن يشاهدوا إعلاماً سمعياً بصرياً بديلاً، وانتشاراً ملفتاً لتلك القنوات، لولا رياح "الربيع العربي".

وزير الاتصال الجزائري، عبد القادر مساهل، أكد أن القانون الجديد "وضع قواعد سليمة وضوابط قانونية كفيلة بتنظيم هذا المجال"، باعتبار أن 10 قنوات جزائرية فضائية تعمل في الجزائر منذ سنتين على الأقل، وتبث من الخارج. إلا أن الخطوة التي أقدمت عليها الغرفة الأولى في البرلمان، لم تـُرض ِ طموحات المعارضة، التي اعتبرت أن القانون يضع قيودا على النشاط السمعي البصري في البلاد.

وعلى الرغم من التجربة الناجحة التي عرفتها الجزائر، في فتح مجال الصحافة المكتوبة على الاستثمار الخاص، إلا أن "الإعلام الثقيل" بقي في يد الدولة، التي تملك خمس قنوات، هي القناة الرسمية الأرضية، وقناة "الجزائر الثانية" باللغة الفرنسية وموجهة إلى الجالية الجزائرية في أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية وتأسست عام 1994، والقناة "الثالثة" الموجهة إلى الفضاء العربي وتم افتتاحها رسميا في 5 يوليو/تموز 2001، والقناة "الأمازيغية"، التي انطلق بثها في 18 مارس/آذار 2009 وجاءت لترضية السكان ممن يتحدثون اللغة الأمازيغية واللهجات المحلية المشابهة الأخرى، إضافة إلى قناة "القرآن الكريم" الدينية.

قنوات من رحم الصحف

فترة الاحتكار الطويلة بيد الحكومة دفعت بالجزائري العادي الى تسمية هذا التلفزيون الوحيد بـ"اليتيمة"، الى ان بدأت الصحف اليومية إطلاق قنوات تلفزيونية خاصة بها، رغم أنها قنوات أجنبية في عرف القانون، تبث إرسالها من الخارج إلى أن يسمح لها القانون بالبث من داخل البلاد.

وأول القنوات الجزائرية الخاصة كانت "قناة خليفة" في باريس عام 2002 من دون رخصة مسبقة من المصالح الفرنسية المختصة، وقد أسسها عبد المؤمن رفيق خليفة، صاحب "مجموعة الخليفة" التي تضم الخطوط الجوية "الخليفة" و"الخليفة بنك"، وقد أغلقت بعد ثمانية أشهر فقط من افتتاحها بسبب الإفلاس وحلّ المجموعة ومتابعة مالكها من قبل القضاء الجزائري.

وبعد تلك التجربة بعشر سنوات ظهرت في الجزائر القنوات الخاصة، وهي على النحو الآتي:
"النهار تي في": قناة تابعة لصحيفة "النهار الجديد"، ويديرها أنيس رحماني. انطلقت القناة ببثها التجريبي في السادس من مارس/آذار 2012، واتخذت مقرها الرئيسي في العاصمة الأردنية عَمَّان، وتهتم بالشأن الإخباري والسياسي في الجزائر، وهي صورة مصغرة لمضامين ومحتوى الجريدة، التي تتبنى خطاب السلطة بشكل كامل في برامجها.

"الشروق تي في": وهي ايضا امتداد للجريدة الورقية "الشروق"، وتبث بدورها من الأردن، في حين أن مقرها الرئيسي موجود في الجزائر. وانطلق بثها التجريبي في عيد الثورة الأول في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وتدعم الدولة هاتين القناتين عبر الاعلانات في الصحيفتين. 

"نوميديا نيوز": تأسست في 11 ديسمبر/كانون الأول عام 2012 كأول قناة إخبارية جزائرية.

"دزاير تي في": مملوكة لرجل الأعمال الجزائري، علي حداد. انطلقت المرحلة التجريبية من بثها في 15 مايو/أيار الفائت. وقد اوقفت الدولة بث برامجها قبيل الانتخابات الرئاسية.

"الجزائرية": انطلق بثها التجريبي في شهر فبراير/شباط من عام 2012.

"كاي بي سي":  وأطلقتها جريدة "الخبر" قبل شهرين. وتلتها جريدة "البلاد" الشهر الماضي.

وتفتقر معظم القنوات الخاصة الى المهنية واللغة الإعلامية المتميزة والخطاب الإعلامي المسؤول، ولا ترتقي برامجها الى مستوى ما يقدم في الفضائيات العربية الأخرى، ولم تقارب هموم الناس ومشاكلهم الحقيقية. وعلى الرغم من الميزانيات الضخمة لبعض هذه القنوات، إلا انها لا تنفق الا القليل على الانتاج، ويشكو صحافيوها من تدني اجورهم.

ثنائيات الإعلام الجزائري

الباحث، عاشور فني، استخلص في رسالته لنيل شهادة دكتوراه الدولة حول موضوع "اقتصاد وسائل الإعلام المرئية والمسموعة في الجزائر"، اختلال نظام الإعلام المرئي المسموع في الجزائر، ويتجلى ذلك في سرعة التطور التقني للنظام، مقابل بطء التطور التنظيمي، وفي زيادة قدرات البث مقابل ضعف في صناعة المحتوى، وفي واحدية البرمجة مقابل تعدد الاستقبال، وفي ضعف حضور الجزائر إعلاميا وانفتاح سوقها للتدفق الإعلامي، وفي غياب الإدارة والاستراتيجية لقطاع وسائل الاعلام المرئية المسموعة، مقابل ثقل التسيير الإداري.

الإعلان 40 في المائة من دخل القنوات

ولأن الجزائر لا تملك مؤسسات كثيرة في قطاع الصناعة أو التجارة أو الخدمات، أو المؤسسات المنتجة، في أي قطاع كان، فإن إشكالية تمويل القنوات التلفزيونية عبر الإعلانات تبقى قائمة، وهو ما يجعلها تبحث عن التمويل من أجل البقاء. ويقول مدير ومؤسس وكالة "ميديا آند سيرفي" المتخصصة في الدراسات التسويقية وقياس نسب المشاهدة والأداء لمختلف وسائل الإعلام، ان مداخيل الإعلان لا تمثل سوى 40 في المائة من ميزانية القنوات العمومية، في حين يأتي الباقي من إعانات الدولة. وحسب رأيه فإن سوق الإعلان في الجزائر عرفت تطورا ملحوظا، وذلك بسبب ظهور قنوات تلفزيونية خاصة جديدة، وتخفيض أسعار الإعلان فيها، اضافة إلى مجهودات وكالات الإعلان لإقناع زبائنها بضرورة تسجيل حضور، وتحقيق رؤية على القنوات التلفزيونية، وهو ما أدى إلى تضاعف عدد المعلنين في الجزائر. لكن وعلى الرغم من هذا التطور، إلا أنه يبقى ضعيفا مقارنة بما لدى تونس والمغرب.

القنوات الخاصة بعيون أهل المهنة: 

وعن واقع هذه القنوات الخاصة، قالت الاعلامية، نايلة، من الاذاعة الوطنية الناطقة بالفرنسية، لـ "العربي الجديد: "انه بعد مرور بضع سنوات على انطلاق القنوات الجزائرية الخاصة، ظهر تباين في عملية نقل الخبر وتغطيته وكيفية عرضه للمشاهد. والتباين بين هاته القنوات يكمن في نوعية الصورة المقدمة، من الناحية الجمالية، وهناك قنوات تلفزيونية هدفها نشر افكار معينة موجهة الى فئة محددة من المجتمع، تستخدم لغة عامية او دارجة، ومواضيع مبسطة، واخرى على العكس تبحث عن النخبة وتتميز بتنوع القضايا واللغة السليمة والحرفية. والقنوات، التي قدم مدراؤها من الإعلام، يظهر في محتواها العمل الاعلامي الجيد، أما القنوات، التي يملكها أصحاب المال، فتبدو تجارية أكثر.

ويرى الاعلامي، محمد يزيد: "ان تجربة الاعلام الخاص السمعي البصري لا تزال فتية وبحاجة إلى التطوير، سواء تعلق الامر بالجانب التقني وجماليات الصورة، أو من ناحية الكفاءات والطاقات المعتمدة في المجال الصحافي والتقديم". وكان بالإمكان الاعتماد على خبرات الاذاعة والتلفزيون الرسمي، في تأطير الشباب الملتحقين بهذا الفضاء السمعي البصري الخاص، الذي يقترب اكثر من اسلوب الصحافة المكتوبة في ما يخص المواد المقدمة. وللأسف فإن بعض هذه القنوات الخاصة تعمل على إثارة قضايا دون المستوى، مع غياب اعتمادها على مصادر ومراجع ثابتة، مما يثير التساؤلات حول جدية هذه القنوات.

 

المساهمون