الفضائح الجنسية تطال "نخب" جيش الاحتلال

19 ديسمبر 2014
لم تشتكِ المجنّدات في السابق (سبنسر بلات/Getty)
+ الخط -
كان أحد أوجه شهرة موشيه ديان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، ووزير الدفاع في أواسط الستينيات، عدا عن ولعه بسرقة الآثار، هو التحرّش الجنسي ومضايقات المجندات الإسرائيليات اللاتي خدمن تحت إمرته.

ولم تكن ظاهرة "الشكوى ضد التحرشات" متاحة في الستينيات، عندما كان ديان البطل القومي الأول، ولا كان وارداً أن يحاسبه أحد على ذلك. أما اليوم ومع مرور عقود على تلك الفترة التي كان فيها تحرش الضابط بالجندية التي تُقدّم له القهوة، وتُعدّ المذكرات العسكرية، "أمراً عادياً"، تعود إسرائيل لتستيقظ مجدداً على ظواهر الاستغلال الجنسي والاعتداء على المجندات، حتى في الوحدات العسكرية السرية.

وقد أبرزت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس الخميس، هذه الظاهرة على صفحتها الأولى مع نشر تقريرين موسعين، أولهما عن قيام قائد عسكري برتبة عقيد، يخدم في إحدى الوحدات السرية للاحتلال الإسرائيلي، ليس بالتحرش بإحدى المجندات، وإنما بممارسة أفعال جنسية مع فتى في الخامسة عشرة من عمره، تعرّف عليه عبر الشبكة العسكرية. كما ذكرت في تقرير آخر ارتكاب قائد عسكري برتبة عميد في فرقة تابعة لوحدة "جفعاتي"، التي اشتهرت بجرائمها ضد الفلسطينيين منذ الانتفاضة الأولى، جرائم جنسية.

وفيما تكتم الجيش على اسم القائد الأول في الوحدة السرية، سمحت الرقابة العسكرية بفضح هوية القائد في "جفعاتي"، وهو العميد ليران حجفي، الذي ذكرت الصحيفة أنه "متهم بارتكاب جرائم جنسية مختلفة وفي أكثر من حالة".

وقد اضطر حجفي بعد الكشف عن هويته، أمس، إلى طلب إجازة، بحجة عدم عرقلة عمل الوحدة العسكرية "تسبار" التابعة لـ "جفعاتي" من جهة، وللدفاع عن اسمه وبراءته من جهة أخرى. ووفقاً لشهادات جنود في الوحدة المذكورة، فإن الكثيرين كانوا يعلمون بما يجري في صفوف الوحدة العسكرية، بما في ذلك نزوات حجفي، إلا أن أحداً لم يجرؤ على الحديث.

وتعكس هاتان القضيتان في واقع الحال، مسلسلاً طويلاً من الاعتداءات الجنسية على المجندات، وعلى الفتيان والقاصرين، داخل الجيش الإسرائيلي، من دون أن يجرؤ أحد على تقديم شكاوى خوفاً من عاقبتها، وخشية من ألا يصدقهم أحد.

وشكّلت الهالة العسكرية للضباط والقادة رفيعي المستوى، لسنوات، حصناً وطوقاً يحميهم من تقديمهم للمحاكم. وكثيراً ما تمارس ضغوط هائلة على المجندات لإسكاتهن، وبالتالي لا يتجرأ سوى قلة منهن، بعد سنوات من الخدمة العسكرية، من تقديم شكاوى للشرطة، كما كان الحال مع وزير الأمن السابق، وقائد المنطقة الشمالية خلال عدوان 2006 على لبنان، إسحق موردخاي، الذي تّمت إدانته بعد سنوات من خدمته العسكرية، بالتحرش الجنسي والاستغلال الجنسي والاغتصاب. وحُكم على موردخاي إثر ذلك بالسجن الفعلي، واضطر إلى اعتزال السياسة، بعد أن كان وزيراً للأمن، في حكومة نتنياهو الأولى (1995 ـ 1998) في العام 2000.

وفي السياق، اعتبر المحلل العسكري لـ "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أن "الاستغلال الجنسي والمضايقات للمجندات في جيش الاحتلال من قبل قادة عسكريين رفيعي المستوى، تُحتّم إجراء عملية تنظيف واسعة وأساسية للجيش، خصوصاً على ضوء القضيتين الأخيرتين".

وبحسب فيشمان، فإنه "فيما يلتزم صغار الجنود الصمت، على الرغم من معرفتهم بما يحدث، فإن القيادة العليا للجيش لا تدري شيئاً عما يدور لدى القواعد، لأن القادة الميدانيين اعتادوا عند التحقيق في مثل هذه الشكاوى، الكذب ولعب لعبة القرود الثلاثة: لم نسمع، ولم نر، ولا نتحدث".

ويضيف "يبدو أننا أمام جيش قيمه، هي قيم ماخور، ولولا إصرار المراسلة العسكرية في الإذاعة كرميلا منشيه، على التحقيق فيما يحدث في الفرقة العسكرية، تسبار، لما كانت الشرطة العسكرية باشرت تحقيقاً رسمياً وشاملاً".

ويشير فيشمان إلى آلية الكذب والتستر على هذه المخالفات، وكيف يتم عادة إغلاق الملفات من دون إجراء تحقيق رسمي، وأحياناً كما في حالة الجندية التي اشتكت عن الاعتداء عليها جنسياً. إذ تم نقلها من الوحدة العسكرية إلى وحدة أخرى. وتكرر الأمر نفسه مع قائد سرية رفض هذه التصرفات، فأفهمه قادته العسكريون، أن "ما يحدث ليس من شؤونه وعليه ألا يتدخل". وحتى عندما رفع شكوى لقائد المنطقة الجنوبية، لم يتمكن الأخير من كسر حاجز الصمت والكذب الذي بناه الجنود حماية لزميلهم، فيما تم إبعاد قائد السرية الذي قدم الشكوى بحجة عدم ولائه للوحدة.

أما المراسل العسكري للصحيفة، يوسي يهوشواع، فاعتبر أن "فضح الجرائم والمخالفات يلزم رئيس الأركان الجديد، جادي أيزنكوت، بالإبقاء على الضباط والجنود الذين يفضحون مثل هذه الظواهر، خصوصاً أن رئيس الأركان المنتهية ولايته، بني غانتس كان تعهّد بتنظيف الجيش من هذه الظواهر، وإذ به ينهي ولايته مع تفجّر الفضائح".