العلاقات السودانية المصرية

20 ديسمبر 2016
+ الخط -
تتأرجح العلاقات السودانية المصرية صعوداً وهبوطاً، طبقاً للمزاج السياسي وتطوّرات الأحداث، على الرغم من أنّ المسؤولين في البلدين دائماً ما يحرصون على تأكيد متانة العلاقات وأزليتها ورسوخها. يستدلون على ذلك بوشائج القربى والتداخل الإنساني والثقافي بين شعبي البلدين.
من أبرز محطات التوتر التي شهدتها علاقات الخرطوم والقاهرة قضية مثلث حلايب الذي كان يسيطر عليه الجانب السوداني حتى العام 1995، حيث شهدت تلك السنة محاولة اغتيال الرئيس المصري، حسني مبارك، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، واتُهِم النظام السوداني حينها بالتوّرط في محاولة الاغتيال، منذ ذلك التاريخ دخلت القوات المصرية مثلث حلايب، أحكمت سيطرتها عليه حتى اللحظة، ورفضت فتح الملف مرة أخرى، معتبرة حلايب أرضاً مصرية، خلافاً للرواية السودانية التي ترى أنّ المثلث يتبع للسودان، كما هو موجود في الخرائط الدولية.
كذلك، شكّل سد النهضة الإثيوبي أزمة أخرى بين البلدين، إذ تنظر القاهرة إلى أنّ الموقف السوداني يتماهى مع موقف إثيوبيا، ويدعم قيام السد الذي تتخوّف منه مصر. في المقابل، يعتقد الجانب السوداني أنّ مصلحة البلاد تتفق وبناء السد، لأنّ من المتوقع أن يزيل خطر الفيضانات التي تهدّد المناطق القريبة من مجرى النيل في السودان، بالإضافة إلى أنّ هناك تفاهمات إثيوبية سودانية تقضي بمنح الطرف الثاني طاقة كهربائية بأسعار تفضيلية.
أزمة ثالثة حدثت في العام الماضي، وهي تعرُّض سودانيين موجودين في مصر لسوء معاملة من السلطات الأمنية، وصلت إلى اعتقال وتعذيب بعضهم، بجانب مصادرة أموالهم، فضلاً عن مقتل ستة سودانيين خلال الفترة نفسها، في شبه جزيرة سيناء على الحدود مع فلسطين، كان الخلاف حينها وصل بين الجانبين إلى مرحلة غير مسبوقة، لا سيما أنّه تلاها حادث آخر بمقتل نحو 15 أفريقيًا بنيران مصرية في منطقة رفح (بينهم سودانيون). أدّت تلك الأحداث إلى تفجّر غضب شعبي في السودان، اضطرت معه سفارة الخرطوم في القاهرة إلى إرسال "بعثة قنصلية" إلى مدينة العريش، لتقصّي الحقائق حول مقتل السودانيين في الحادثتين.
أخيراً، أعلنت حكومة الخرطوم أنّ السلطات المصرية اعتقلت مُعدِّنين سودانيين، من داخل الأراضي السودانية، وصادرت ممتلكاتهم بطريقة وصفتها بأنها غير لائقة، وقال وزير الخارجية، إبراهيم غندور، إنّ المُعدِّنين اعتُقلوا من مكان داخل البلاد، مُصدق عليه من وزارة المعادن، مبيناً إنّ الخارجية السودانية خاطبت نظيرتها المصرية محتجة على الخطوة.
لم يستغرب الشارع السوداني ردّة الفعل الضعيفة للحكومة مع الاعتداء المصري، لأنّ السودانيين يرون أنّ دبلوماسية بلادهم صارت كسيحة في الآونة الأخيرة، وليست لديها القدرة على الدفاع عن قضايا السودان ومواطنيه، بالقدر نفسه ينظر مواطنون سودانيون إلى أنّ حدود بلادهم مُستباحة ومفتوحة أمام المعتدين، وليس أدل على ذلك من اعتداء عصابات "الشِفتة" الإثيوبية على منطقة "الفشقة" على الحدود بين البلدين، لكن الفرق بين قضية حلايب والفشقة أن الجانب الإثيوبي الرسمي لم ينكر أحقية السودان في أراضي المنطقة، ووقع اتفاقيات مع الحكومة السودانية لضبط الحدود وترسميها.
بالعودة إلى ملف العلاقات السودانية المصرية، نجد أنّ الإعلام المصري يلعب دوراً كبيراً في تأجيج الصراع، إذ تحرص السينما هناك على ترسيخ صورة شائهة عن الإنسان السوداني، والسخرية منه، كذلك تلعب الفضائيات الدور نفسه، عند حدوث أزمة ما، مثل موضوع مباراة مصر والجزائر التي استضافتها مدينة أم درمان السودانية، حيث شنّت وسائل الإعلام المصرية آنذاك هجمة شرسة على السودان. في مقابل ذلك، كان الإعلام السوداني يذوب عشقاً وهياماً في مصر مثلما تَغنَّى الفنان عبدالكريم الكابلي بـ "مصر يا أخت بلادي يا شقيقة".
تغيرت نظرة الجيل الحالي من الشباب السوداني كثيراً إلى العلاقات مع مصر، إذ لاحظ ناشطون سودانيون، أخيراً، أنّ العديد من المواطنين الخليجيين ومشاهير مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفنانة الإماراتية أحلام والناشط السعودي عمرعبد العزيز والإعلامية لُجين عمران، تعاطفوا ودعموا بشدة حملة "أعيدو الدعم للأدوية"، فيما لم تعرف الحملة مشاركة مصرية. أيضاً يرى شباب السودان أنّ النُخب المصرية تتعامل مع بلادهم من واقع الغرور والنظرة الاستعلائية، كأنّ الخرطوم هي حديقة خلفية للقاهرة، مثل مقولة "السودان هو العمق الاستراتيجي لمصر"، التي كان يردّدها أحمد أبوالغيط وزير خارجية حسني مبارك.
نُنادي دوماً بأن تكون علاقات السودان قوية ومتينة مع جيرانه، خصوصاً الدول التي نرتبط معها بعوامل التداخل الأسري والأنساب، كمصر وإثيوبيا وإرتيريا وجنوب السودان، وأن تكون علاقاتنا مع الجيران متميّزة وراسخة تحكمها النِدِّية الكاملة والاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة بما يعود بالخير والنفع على الشعوب.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع