العقل العربي وسيارة الرئيس

09 نوفمبر 2014
+ الخط -

استوقفني خبر في وكالة إخبارية أجنبية عن عرض ثري عربي مليون دولار لشراء سيارة الرئيس خوسي موخيكا، رئيس جمهورية الأوروغواي، وهي سيارة من نوع فولسفاكن "خنفساء" صغيرة صنعت في 1987.

القصة تبدأ بإرسال عرض بالمبلغ الكبير للرئيس موخيكا، من قبل راصد جيد يلاحق طرائده بما لديه من مال وفير لم يتفصد جبينه عرقاً في جمعه وإنمائه، ولذلك تراه يهينه مبذولاً في سبيل نيل طريدته ليكون المالك لهذه السيارة الخنفساء بعد أن كان مالكها يوصف بأنه أفقر رئيس جمهورية في العالم.

هذا الثري الذي لا أعرف له اسماً أو عنواناً، هو نموذج لكثيرين في مجتمعاتنا من الباحثين عن المجد الزائف، من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا.

وقصة الرئيس موخيكا كما توردها الويكيبيديا، خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو، ولد بتاريخ 20 مايو/أيار 1935، أصبح رئيساً للأوروغواي منذ 2010، كان مقاتلاً سابقاً في منظمة توباماروس الثورية اليسارية. عمل موخيكا وزيراً للثروة الحيوانية والزراعة والثروة السمكية من سنة 2005 حتى 2008 وعمل بعدها في مجلس الشيوخ، ثم فاز في الانتخابات الرئاسية لسنة 2009، وتولى الرئاسة منذ يناير/كانون الثاني 2010. وتم وصفه "أفقر رئيس في العالم" بسبب أسلوب حياته التقشفي وتبرعه بقرابة تسعين في المئة من راتبه الشهري الذي يساوي 12.000 دولار أميركي للجمعيات الخيرية والشركات الناشئة.

 تلك هي القصة، رئيس بمواصفات تاريخية للعرب، كل الذي عمله العرب لا الاقتداء بفعله، وإنما تهافت لشراء سيارته القديمة الصغيرة التي قد تحتاج إلى دخول ورشة متكاملة لتكون صالحة للتنقل. لكن المشتري أو من يعرض هذا المبلغ لا يريدها للتنقل، وإنما يريدها ليحتفظ بها في معرض حاجياته الأثيرة، لتكون من مقتنياته، فتكتب عنه الصحف والمجلات وتعمل عنه التقارير التلفزيونية فيكون مشهوراً فارغ المحتوى سوى من رصيده الذي أخذ جزءاً منه ليشتري له مجداً ممثلاً بسيارة قديمة.

 اللافت للنظر في حوار الرئيس الفقير موخيكا، مع مجلة بوسكويدا، أنه لو قبل العرض وباع سيارته لبذل مبلغ البيع في مساعدة الفقراء، وهنا يجب أن يتوقف العربي ويتساءل، من أحق بهذا الخير منه، ولماذا فكر موخيكا بالفقراء، فيما استبعد هو كل المآسي والفقر والمهجرين والنازحين الذين تمتلئ بهم، بل تكاد تغص، مخيمات الشتات، سؤال لن تجد له إجابة سوى أن التبرع محرم علينا، يقول الغني محتمياً بها لبذل الأموال بما لا يأتيه بوجع الرأس، كما يقولها النازح والمهجر والمعوز، فإن الأغنياء حرّموا علينا الفائض من أموالهم.

 الرئيس الذي كشف عن ذمته المالية في عام 2010، بأنها تبلغ نحو 1800 دولار، وهي قيمة سيارته "الخنفساء" الزرقاء عام 1987. في حين أن كشف الذمة المالية لأي شخص يتسنم قيادة أي بلد يعد من الموبقات المحرمة، ولا يمكن بأي حال كشف الأموال، فهو مالك وابن مالك، ولا يحتاج إلى كشف ذمته المصون، ومع أن رئيس الأوروغواي رفض العرض، إلا أنه فكر فيه فقال ممازحاً: ربما رفضي للعرض الذي لو قبلته لصرفته على المشردين يأتي من باب تعلق كلبته ذات الثلاث أرجل بهذه السيارة وتعودها عليها وعلى لونها، فهي تعرفها وتتفاعل معها ذهاباً وإياباً.

كل هذه المآثر ودستور الأوروغواي يحظر على الرئيس موخيكا الترشح لفترة رئاسية ثانية، مع أن استطلاعات الرأي تظهر تأييد الناخبين له بنسبة 60 في المئة.

 ألا نحتاج إلى إعادة تشكيل العقل السياسي العربي وكيفية التفكير، ألا ينبغي لنا مغادرة السعي لتسجيل الأسماء في أكبر صحن وأطول برج وأعلى بناية وأضخم مائدة للطعام..

avata
avata
حارث الأزديا (العراق)
حارث الأزديا (العراق)