العراق ... حكاية جريمة معلنة

العراق ... حكاية جريمة معلنة

17 يونيو 2014

آليات للاحتلال الأميركي في بغداد (أغسطس/2007/Getty)

+ الخط -
ما نراه في العراق، الآن، نتيجة عمليّة ممنهجة لتدميره، بدأت بمحتلٍّ أميركي، دمّر أسس دولة، وفرض نظاماً طائفياً استبدادياً، وأيضاً نتيجة جريمة مستمرة ومعلنة، شارك فيها النظامان، العربيّ والإقليميّ، لمنع نهوض العراق، بل الإمعان في كسره.  
من ناحية، رفض النظام الطائفي والقمع والبطش في العراق مفهوم، فقد طال أمده، لكن، من ناحية أخرى، إن خشية تغليب الخطاب الطائفي، خصوصاً بوجود "داعش" على الأرض، يهدد باحتمالات حرب طائفية وتقسيم نهائي للعراق.

ليس غريباً أن نشهد تعبيرات طائفية، أو أن تصبغ الطائفية أيّ حراك في العراق، فسيادة نظام طائفي، وخصوصاً إذا كان القصف والتعذيب من أداوته، ينتج معارضة، لها تلونات طائفية، لأن الذعر الطائفي يطغى، في معظم الأحيان، على النضال الوطني والاجتماعي التحرري، وكان هذا هو المقصود منذ بداية الحكاية.

فلم تكن مصادفة أن يفرض الأميركيون دستور محاصصة طائفية، يمنع أي وحدة وطنية، ويجعل كل الأطراف تنظر إلى الموارد ليس كثروة وطنية، بل كحصص مناطقية وطائفية وإثنية، وهذا هو الأساس والتمهيد لاقتسام ثروات وتقسيم أوطان.

ليس مصادفة أَيضاً أن الاحتلال الأميركي تعامل مع الموارد العراقية، وأولها النفط، كغنيمة، يقتسمها أغوال شركات النفط وشركائهم، من محافظين جدد، ومسؤولين أميركيين من ديك تشيني إلى كونداليزا رايس، وما بينهما وأبعد، واشترى الحكام الأميركيون السكوت، بالسماح لأعوانهم، وأعوان أعوانهم وزملائهم، باللعب بالنفط، وجمع ثروات شخصية، من دون رقيب أو حسيب.

استخدم الاحتلال الأميركي كل الأدوات لإذكاء نار الطائفية، وجعلها مصلحة شخصيةً لكل فرد عراقي، للإثراء أو للنفوذ، وللأغلبية ملاذاً للحماية، حتى لا تبقى مساحة لفكر جامع، أو انتماء عربي، أو قومي، أو مسائل مصيرية، فأصبحت لعبة الأحزاب والأفراد والعشائر في مزيج وصفة كارثية.

لم تكن إيران بريئة، فالأحزاب الشيعية التي جاءت بتواطؤ مع المحتل الأميركي، وبغطاء المرجع الشيعي، آية الله السيستاني، هي تربية طهران، أمّا الشخصيات السياسية "العلمانية"، فجاءت على ظهر الدبابة الأميركية، واكتشفت هي أيضاً "سنيّتها" أو "شيعيّتها" فجأة، للتأهل لقواعد اللعبة الطائفية. ولم ير النظام العربي، في أغلبيته، سوى خطر شيعي إيراني، فلم يهمه الاحتلال الأميركي، الذي تواطأ معه أصلاً، بل انشغل بإيجاد دور وظيفي في خدمة مصالح الراعي الأميركي، الذي يريد تحالفاً أمنياً عربياً إسرائيلياً ضدّ إيران، لإنهاء الصراع العربي مع إسرائيل، حتى لا تبقى لا قضية فلسطينية، ولا قضية عربية تذكر.

قامت دول عربية باتباع سياسة "دعم للسنّة" في العراق، لا تقوم على أساس المطالبة بالعدالة والمساواة في العراق، بل بتعزيز فكرة المحاصصة، ووفقاً لمصالحها الآنية ضد النفوذ الإيراني، تدعم أحزاباً، وتضعف أحزاباً أخرى، مستغلة حاجة تلك إلى عمق عربي لا وجود له. ودخلت بعض الأطراف في لعبة تمويل جماعات طائفية سنية متطرفة، لاستغلالها في تجاذباتها مع إيران، ولأن لا مصلحة للنظام العربي في عافية العراق؛ فهو مستكين لرضوخ مهين لسقوط النظام العربي في بغداد.

دخول القاعدة، وتفريخ سلالتها "داعش"، كان شرطاً لنجاح المعادلة وتفجيرها، لأن وجود "داعش"، بجرائمها، كفيل بتقويض أي حراك شعبي من الداخل، في جرائمها ضد أعدائها، أو بمن ارتضى بها حليفاً، أو سكت على وجودها.

لكن عملية تفكيك البنية التنموية للدولة العراقية، من خلال عملية خصخصة، هي أيضاً أسست تربة خصبة للتطرف، لأنها لم تبق لأي نظام ضمان اجتماعي، شيئاً، دفعت الفرد إلى أن يعتمد على عشيرته أو طائفته، وقدرتها على مهادنة النظام أو التسلح. وبالتالي، أصبحت الطائفة شبكة أمانٍ بديلة، ولو مزيفة ..

ولم تكن عملية السطو المنظمة على ثروات العراق، من تقسيم حصص النفط إلى الخصخصة، لتمرَّ بكل سهولة من دون الطائفية، مما جعل المحروم الشيعيّ والسنيّ والكرديّ يرى في الطوائف والإثنيات الأخرى خطراً على معيشته وأمانه.

وكانت النتيجة التي نشهدها، الآن، فحين شعر أكثر السنّة بالظلم من نظام طائفيّ قمعيّ، لم تظهر قوة واضحة برؤية جامعةٍ، لتقود ثورة على الضيم، بل تحالف أمرٍ واقعٍ، فرضيت بوجود القاعدة، في صورة "داعش"، مجازفة بالدخول في معادلة الوقوع بين ظلامية "داعش" ونار استبداد وتهميش.