العراقيون يلجأون لـ"فيسبوك" لنقل معاناتهم

30 يوليو 2015
أوصل العراقيون آراءهم وقضاياهم المُغيّبة إلى العالم(GETTY)
+ الخط -
لم يعد موقع "فيسبوك" في العراق وسيلةً للتواصل الاجتماعي فحسب، بل أخذ حيزاً كبيراً من حياة الناس ومعاناتهم، وبدأ يحتل الصدارة بين مواقع التواصل في نقل مشاكلهم والتعريف بقضاياهم الاجتماعية التي لا تكاد تنقضي، بل تزداد كماً ونوعاً كل يوم. ويلوذ العراقيون بمختلف الأعمار والثقافات بموقع "فيسبوك" لنقل مآسيهم ومشاكلهم الاجتماعية التي لا تتطرق إليها وسائل الإعلام المحلية لأسباب مختلفة، من تأثيرات سلطوية وسياسات تفرض عليها قيوداً صارمة في نقل كثيرٍ من الأحداث.

ويطلق الناشطون على "فيسبوك" حملات مختلفة، بين الحين والآخر، للمطالبة بحقوقهم أو لعرض مشاكل اجتماعية واقتصادية في ظلّ الواقع الأمني المتردي الذي تمر به البلاد. ويوضح الناشط عبد الله مزاحم (29 عاماً) أنَّ "فيسبوك لم يعد مجرد موقع جامد للتواصل والتعارف وتبادل الصداقات، بل أصبح يمثل للعراقيين، بمختلف توجهاتهم، وسيلةً إعلامية حرة تنقل كل ما يريدون عرضه من مشاكل وتظاهرات ومطالبات اجتماعية بسبب القيود والتوجهات التي تفرضها الحكومة العراقية على وسائل الإعلام المحلية".

ويضيف مزاحم في حديثه لـ"العربي الجديد" أنَّ "فيسبوك موقع حر فيه مساحة واسعة لنقل ما لا يمكن لوسائل الإعلام نقله من تسجيلات وصور ووثائق ساخنة كالجرائم المرتكبة في حق المواطنين أو جرائم تعذيب المعتقلين أو قضايا فساد المسؤولين الحكوميين والمظاهرات والاحتجاجات المختلفة التي تتطرق لها وسائل الإعلام على عجالة دون التركيز على الجوانب الأخرى التي ربما تكون خافية على الرأي العام".

وأنشأ عشرات الناشطين مختلف الصفحات على "فيسبوك" ضمن حملات واسعة أطلقوها لاقت تجاوباً وتعاطفاً عربياً ودولياً، أوصلت كثيراً من الحقائق الغامضة إلى الرأي العام المحلي والعربي والدولي.

وبيّن الناشط ضرغام الهاشمي أنّ "فيسبوك أصبح، اليوم، نصيراً للفقراء والمظلومين ووسيلة الإعلام الوحيدة في العراق التي لا تفرض قيوداً على النشر، وهذا بسبب استحواذ السلطات على سياسة وسائل الإعلام المحلية وفرضها قيوداً على النشر والتغطية الإخبارية، فضلاً عن تحول كثيرٍ من وسائل الإعلام المحلية إلى إعلام موجه موالٍ للسلطات الحكومية والأحزاب السياسية بعيداً عن هموم المواطنين".

ولا يقتصر الأمر على الناشطين في نقل معاناتهم أو مشاكلهم، بل شمل الكتاب والباحثين ممن لا تسمح لهم وسائل الإعلام بنقل أفكارهم وعرضها على الرأي العام، إما لأسباب طائفية أو سياسية ما يجعل وجهتهم الأخيرة نحو عالم "فيسبوك".

اقرأ أيضاً: هل وقع الجيش العراقي في فخّ "داعش" الإعلامي؟

ويقول الكاتب عبد السميع القرغولي "أصبحنا أمام أمرين لا ثالث في العراق لهما، فإمّا أن نلقي أقلامنا ونتخلى عن الكتابة أو أن نصبح جزءاً من منظومة التطبيل للسلطة الحاكمة ونبيع أقلامنا وشرفنا المهني، وهذا لا يمكن بلا شك، ولم يبقَ أمامنا ككتاب محايدين سوى "فيسبوك" لنكتب فيه مقالاتنا وأبحاثنا لتوعية الناس ونقل كثيرٍ مما تخفيه عنهم وسائل الإعلام، وخصوصاً المحلية منها، والعراق يمر بأزمة إعلامية حقيقية إلى جانب أزماته الاجتماعية والاقتصادية والأمنية وغيرها". ويرى القرغولي أنَّ "لجوء الكتاب والباحثين والمحللين المعارضين للسلطة إلى مواقع التواصل لنقل أفكارهم ونشر مقالاتهم يدل على المخاطر والقيود التي تواجه المثقفين في نشر أفكارهم، وهو يعكس الحالة المتردية التي يعيشها العراقيون من تعتيم وبؤس وفقر وظلم".

ويكشف مختصون، أنَّ السلطات الحكومية وأجهزتها الأمنية وظفت العشرات من الناشطين الموالين لها لمتابعة حسابات الكتاب والباحثين والمحللين والناشطين المدنيين وإغلاقها أو تعقبها لمنعهم من نشر ما لا تنشره وسائل الإعلام والتعتيم على مختلف القضايا التي تهم مصلحة المواطنين.

ويقول خبير أمن المعلومات، المهندس محمود مقداد، إنَّ "الأجهزة الأمنية وظفت عشرات الناشطين الموالين لها لتعقب ومتابعة حسابات الكتاب والباحثين وعمل مجموعات خاصة للتبليغ عن تلك الحسابات وإغلاقها نهائياً لمنع نشر كثيرٍ من الوثائق والمعلومات التي من الممكن أن تطيح بالنظام السياسي بأكمله، لو نشرت على وسائل الإعلام وهي محاولة من السلطات لإبقاء الرأي العام في حالة من الضياع والتيه".

ويعتقد الباحثون أنَّ "فيسبوك" كان له أثر بالغ الأهمية في المجتمع العراقي، وأنَّ كثيراً من القضايا وصلت إلى الرأي العام، ووجدت طريقها إلى الحل نسبياً أو على الأقل كشفها لأنَّ فسبوك يفضح كل شيء دون قيود صارمة على النشر، كتلك التي تفرضها وسائل الإعلام المحلية.


اقرأ أيضاً: 5 خطوات للتخلّص من الإدمان على مواقع التواصل
المساهمون