العراقيون يريدون وطناً

العراقيون يريدون وطناً

01 يناير 2020
الثورة مستمرة في العام الجديد (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

تتشابه أمنيات المتظاهرين العراقيين للعام الجديد. كثيرون يتمنون تحسن الأوضاع في بلادهم وتسلم ذوي الكفاءة و"الوطنيين" الحكم، وأن يعم السلام والأمان في وطنهم. البعض على ثقة بأن العراق سيشهد انفراجة كبيرة خلال العام الجديد، نتيجة التأثير الذي أحدثته تظاهراتهم في الأحزاب الحاكمة، واستقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي وتلويح رئيس الجمهورية برهم صالح بها. وتنتشر يافطات بأحجام مختلفة على مبنى المطعم التركي وسط ساحة التحرير في العاصمة بغداد، حيث مقر التظاهرات، وعلى غيرها من المباني والأعمدة وسياجات كلها تعكس مطالب المتظاهرين، أبرزها عبارة "نريد وطناً" التي أصبحت شعاراً للمتظاهرين. وكتبت فاطمة جاسم (34 عاماً) على يافطة عُلّقت على خيمة قريبة تحت نصب الحرية في ساحة التحرير: "نريد وطناً"، قائلة: "هذه أمنيتي للعام الجديد". فاطمة التي تدير محلاً للهدايا تشير إلى أنها تريد أن ترى بلدها آمناً، وأن يعيش العراقيون برخاء.

يمكن لمن يتجول بين المتظاهرين أن يُلاحظ نسبة الفقراء المرتفعة، ومن بين هؤلاء سائقو التوك توك. كما أن نسبة كبيرة من المواطنين يعانون أزمات معيشية كبيرة. وبحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، يعاني نحو 22.5 في المائة (نحو ربع العراقيين) من الفقر.

محمد كاظم (20 عاماً) وهو سائق عربة "توك توك"، قرّر تسخيرها لخدمة المتظاهرين في ساحة التظاهر في بغداد. يقول إنّه يعمل خمس ساعات في اليوم لتأمين قوت أسرته، ويقضي ساعات أخرى في "خدمة المتظاهرين". وعلى الرغم من أن منزل أسرته، الذي يصفه بالمتهالك، يتألف من غرفتين صغيرتين، ويعيش فيه ثمانية أشخاص إضافة إليه، فإن أمنيته للعام الجديد هي أن "تنتصر الثورة ويعم السلام في البلاد".




سعدون شلال (73 عاماً) يتمنى الأمر نفسه. يقول: "أتمنى أن يتغير حال العراق إلى الأفضل". شلال يتقاضى راتباً تقاعدياً تبلغ قيمته 300 ألف دينار (نحو 250 دولاراً). في الوقت الحالي، يبيع السجائر ليتمكّن من إعالة أحفاده الذين قتل والدهم في تفجير عام 2010. يضيف أنه كلّما سنحت له الفرصة، يقصد ساحة التظاهر، ويوضح: "لم يتغير حال بلدنا. لا أضمن أن يكون مستقبل أحفادي أفضل. مع ذلك، فإن هدف المتظاهرين هو تغيير حال الوطن إلى الأفضل. لا أبحث عن مستقبل لي. من مثلي يجب أن يرتاح بعد تقاعده. لكن فساد الحكومات والأحزاب السياسية حرمني هذه الراحة بعدما خدمت البلاد في الوظيفة الحكومية مدة 30 عاماً".

أكثر ما يلفت الانتباه في ساحات التظاهر هو الأعلام العراقية المنتشرة والأقنعة وأغطية الرأس. ويعمد كثيرون إلى وشم العلم العراقي وخارطة العراق على أجسادهم. سارة يوسف (22 عاماً) اختارت وشم العلم العراقي على كفها اليمنى. وتختصر أملها في العام الجديد بهذا الوشم، و"تغيير الواقع السيئ في بلدي" كما تقول.

سارة التي تدرس في كلية الحقوق تحرص على المشاركة باستمرار في التظاهرات، يرافقها مجموعة من زملائها وزميلاتها في الجامعة. وكان "الثأر" لزميلتهم التي توفيت بمرض السرطان أحد الأسباب التي دعتهم إلى التظاهر. تضيف: "زميلتنا توفيت نتيجة إهمال الحكومة للقطاع الصحي. هناك تدهور كبير في القطاع الصحي يتسبب بوفاة الآلاف شهرياً. عندما نملك وطننا ونديره بأنفسنا خدمة لنا ولشعبنا، سنتخلص من التصنيفات العالمية التي تضعنا في مقدمة البلدان الأكثر خطورة والأكثر فساداً والأكثر تخلفاً في مختلف المجالات الحياتية. لذلك، أختصر أمنياتي كلها بأمنية واحدة هي وطن معافىً من الأحزاب الفاسدة".




ولا يختلف رأي سارة يوسف عن صديقتها آمنة مهدي (23 عاماً) التي تدرس في كلية اللغات، وهي تشير إلى أن "العراق بات يفتقر إلى أبسط الخدمات التي يفترض أن تتوفر لأي مواطن". وتوضح أن "المستشفيات أصبحت تهدد حياة المواطنين أكثر مما تعالجهم، إذ لا علاجات ولا أجهزة متطورة ولا مستشفيات حديثة، في حين أن المستشفيات القديمة متهالكة وغير قادرة على استيعاب عدد كبير من المراجعين والمرضى، فضلاً عن هروب الأطباء الأكفاء بسبب تهديدهم". تتابع أن "الأمر نفسه ينسحب على المدارس. آلاف الأطفال يدرسون في مبان من طين وأخرى متهالكة. في حين أن الخدمات البلدية شبه متوقفة. كما تعاني البلاد نقصاً كبيراً في التيار الكهربائي والمياه الصالحة للشرب". وتؤكد أن "المشاكل كثيرة ولا يمكن حصرها، وهي ناجمة عن فساد الأجهزة الحكومية التي تدار من قبل أحزاب السلطة. لذلك، لدي الكثير من الأمنيات للعام الجديد، وكلها تختصر بعبارة واحدة، وهي وطن خال من أحزاب السلطة الحالية لأنها تقف خلف تدهور أوضاع بلدنا".