الصين التي يخشاها الجميع

الصين التي يخشاها الجميع

23 مايو 2014
توقيع صفقة الغاز الأكبر مع روسيا بـ400 مليار دولار(getty)
+ الخط -

لم يكن التنين الصيني مرغوباً به يوماً، مثلما هو عليه الحال اليوم. الصين هي "الحليف" الذي يطمح به الجميع، شرقاً وغرباً. وما تدشين صفقة الغاز الأكبر في الآونة الأخيرة، مع روسيا، والتي بلغت قيمتها 400 مليار دولار، لمدة 30 عاماً، سوى انتصار بأوجه متعددة للصين، لا لغيرها.

نجت الصين من المقصلة التي طالت دول الكتلة الشيوعية مطلع تسعينات القرن العشرين، بفعل توجّه سوقها نحو رأسمالية غير معلنة، بعكس ما كانت الحال عليه لدى جارين فوضويين: روسيا، خليفة الاتحاد السوفياتي، والتي باتت لا تعتمد سوى على الطاقة على حساب "المزارع التعاونية"، وكوريا الشمالية، المنهمكة بمجاعتها، التي لا يُمكن لبضعة تجارب نووية محوها.

تمكّن الصينيون من رفع سقف التحدّي، مع أقطاب العالم، إنما بصمت. لا تملك بكين "هوليوود" صينية، ولا شبكة "سي أن أن" صينية، بل جلّ ما تملكه هو حكمة قديمة تفيد بأنه "لو حكمت نفسك، تستطيع أن تحكم العالم". ومع أنها لم تتجاوز مسألة انفصال تايوان عنها، غير أنها ربحت في المقابل، ماكاو، موطن ألعاب الميسر، وهونغ كونغ، ملاذ الشركات التجارية.

في هذا المزيج الصارخ، بين شيوعية السلطة، ورأسمالية السوق، والصناعات الصغيرة، بدأت الصين غزوها الخاص، عكس طريق الحرير القديم. قرعت أبواب أفريقيا، أنغولا تشهد لها، مع هيمنة الشركات الصينية على حقول النفط الأنغولية، وجنوب أفريقيا أيضاً، مع بروز الدور الأكبر للشركات الصينية في بناء ملاعب كأس العالم لكرة القدم 2010، وأخيراً السودان، المرتع الأحدث للشركات الصينية. خطوات جيو ـ سياسية تسير من خلالها بكين أسفل شبه الجزيرة العربية، وصولاً الى تخوم أوروبا، في الشمال الافريقي، ولم تؤدِّ سوى الى المزيد من التوجّس الأميركي.

الأميركيون، ومنذ سياسة "البينغ بونغ"، في 1971، حين زار تسعة من لاعبي كرة الطاولة الأميركيين بكين تلبيةً لدعوة رياضية، باتوا يتخيّلون "تشاينا تاون" أكبر بكثير ممّا هي عليه في ضواحي لوس أنجلوس ونيويورك، إذ يُمكن تسويق البضائع الأميركية فيها. تلك الـ"تشاينا تاون" العظمى، عصيّة على بلاد العم سام، حتى الآن، خصوصاً بعد التسابق المعلوماتي بين الطرفين. فالصينيون تمكنوا من اختراق الأنظمة الأميركية وقرصنة المعلومات، في صورة شبيهة بصورة الجاسوس الأميركي لصالح إسرائيل، جوناثان بولارد.

تفعل الصين كل ما يفعله الغرب، لكن بصورة صينية. قوميتها تظهر في أحيان كثيرة، تحديداً في سنغافورة وماليزيا وتايلاند، وأخيراً في فييتنام. تعتبر نفسها مسؤولة عن الأقليات الصينية في تلك البلدان، خصوصاً أنهم لم ينسجموا بالكامل مع العقد الاجتماعي لتلك البلاد، عكس صينيي الولايات المتحدة، الذين باتوا بأكثريتهم متماهين مع "أميركية" النظام والمجتمع. رغم ذلك، لا تظهر بكين التسامح المطلوب مع التيبت، التي تطالب باستقلالها منذ أمد بعيد.

مع أوروبا، حاولت الصين العبور عبر الأزمة المالية اليونانية، وعرضت تسديد ديون بلاد الاغريق، ما يسمح لها بفتح "دفرسوار" هائل في المتوسط، لكن ألمانيا كانت بالمرصاد. فسقوط اليونان في القبضة الصينية، يعني سقوطاً لاحقاً للصناعة الألمانية. تراجعت الصين قليلاً، لكنها لا تزال متربّصة، فالأزمة الأوكرانية مفتوحة على كل الاحتمالات، وهو ما أدى الى اتجاه روسيا شرقاً، نحو الصين، لتأمين بديل لتصريف الغاز، بعد اهتزاز السوق الأوروبي من البوابة الأوكرانية.

التوسّع الصيني لم يتوقف بعد، و"النزول" الى أوقيانوسيا، حيث السوقين النيوزيلندية والأسترالية، أمر مثير للاهتمام صينياً، ما يجعل من اليابان وبعض الجزر الأميركية والفرنسية المتناثرة في المحيطين الأطلسي والهادئ، أشبه بجزر معزولة صينياً.

لم يخطئ أب الدبلوماسية الأميركية المعاصرة، هنري كيسنجر، حين قال إن "الصينيين يفكرون بشكل استراتيجي أكثر من الأميركيين في السياسة الخارجية". فرغم الفيتوهات الصينية المتلاحقة في الملف السوري بمجلس الأمن، بالتنسيق مع الروس، إلا أنهم لم يقفزوا إلى المواجهة المباشرة مع الأميركيين، بل تركوا الروس رأس الحربة، فيما انصرفوا الى الاستمرار في ترسيخ سياسة الصمت، فـ"لو أردتَ أن تلعب، فعليك أن تعرف قواعد اللعبة وزمنها".

دلالات

المساهمون