الشعب ليس كسولاً وأنتم كاذبون

03 يونيو 2015
لعبت الأزمة الاقتصادية دورا مركزيا في ثورات الشعوب(Getty)
+ الخط -
تنطلق دعاية الأنظمة الفاشلة في إدارة وحل أزمات بلدانها من منطلقات عديدة، حيث أوضحت الثورة المصرية وما سبقها من سنوات الحراك والتمرد الشعبي أن النظم تتخذ مسارين في مواجهة الأزمات: الأول محاولة إنكار الأزمة، والثاني محاولة التقليل من وقعها وحجمها، مع تبرير عجزها عن معالجة أسبابها. فشعار "السلطة لا تمتلك عصا سحرية لحل الأزمات" هو الشعار الأكثر تكراراً في دول الانتفاضات العربية. هكذا، إذن، يتموضع الشعب في محل الاتهام، فهو سبب الأزمات كلّها، هو الشعب العاطل الكسول غير المنتج الذي يعتمد على الدولة في كل شيء.

والحال أن كلا الاتجاهين ارتبط بشكل عميق بالتدهور الحاصل في جهاز الدولة، فكل البلدان العربية التي ثارت شعوبها وانتفضت، كانت دولها قد تراجعت عن القيام بدورها الاجتماعي في توفير فرص العمل والتعليم والسكن وغيرها من الخدمات الضرورية.

وقد لعبت الأزمة الاقتصادية في كلّ من مصر وتونس دوراً مركزياً في تصاعد وتكرار الحراك الاجتماعي، وصولاً إلى الثورة. وكانت أبرز تجليات هذه الأزمة ارتفاع معدلات البطالة وازدياد حدّة الفقر وتدني مستويات المعيشة. كما غلب على لسان حكومتي البلدين قبل الثورة التبشير بأن الاقتصاد تعافى من الأزمة الاقتصادية العالمية، بالاستناد إلى أرقام البنك الدولي، وبأن معدلات النمو في كلا البلدين تجاوزت 7%. وهذا وإن كان صحيحاً، إلا أنه يعكس محاولة لخداع الناس عبر لعبة الأرقام، حيث تم تصوير أن النمو يعني تعافي الاقتصاد، وبالنتيجة تحقيق مطالب الشعب وتلبية حاجاته. وهنا يمكن للمتأمل لهذا الطرح التفريق بين النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية، ويمكن من خلال الأسئلة الاقتصادية الأولية حول من يستثمر وفي أي قطاع يتم الاستثمار، ومن يملك، ولمصلحة من تعود العوائد، أن نفهم الوضع الاقتصادي، وأيضاً طبيعة دور الفئات الحاكمة في خلق الأزمة وإنتاجها.

اقرأ أيضا: الثورة انتهت نكسوا الرايات

هذه الأسئلة الشائكة لا تريد السلطتان المصرية والتونسية طرحها، إذ تعملان على تصوير أن الوضع يسير نحو الأفضل، وعلى الشعب الصبر وامتلاك الأمل. كأن على الشعب أن يعاني قبل الثورة ليثور، ثم عليه مواصلة التضحية بعد الثورة من أجل إصلاح الاقتصاد الذي خربته السلطة الحاكمة.

ليس هناك أسهل من التلاعب بالأرقام والمؤشرات واستغلالها. فالسلطة ومثقفوها لا يرون أن الأزمة مسؤولية النظام، ويتذمرون من ناقدي النظم، معتبرين أن إلقاء المسؤولية على النظام، موقف هروبي لتبرير فشل الشعب الكسول. لقد انتقلت النظرية من كونها حول السلطة الفاشلة إلى كونها حول الشعب الفاشل. وهنا، فإن سلوك الأنظمة أشبه ما يكون بذهاب من أصيب بمحنة إلى حانة ليثمل، ظاناً أنه بذلك ينسى همومه، التي سرعان ما تمثل أمامه مجدداً. الفارق الخطير هنا بين الحالتين أن تلك الأنظمة تتحكم بمصائر شعوب، وأزمتها ليست هماً فردياً.

بالتأكيد هناك جانب فردي، أو قل جانب يخص مجموعة أفراد يمثلون عشيرة الحكم، قد يطيل التبرير والكذب والتجميل بقاءهم في الحكم، وقد يؤجل غضب الغاضبين مؤقتاً. لكن هذا لن يخفي الأزمة أو يحلها؟ قد يطرح البعض أيضاً خيارات حول التأقلم مع الأزمة، لكن وبفرض صحة الطرح، هل من الممكن التأقلم ومعايشة تلك الأزمات لفترات طويلة؟

واقع الحال أن النظم اختارت إنكار المشكلة أو تبريرها، عبر ادعاء أن هناك فرص عمل لكن الشباب لا يريدون الالتحاق بما هو متوفر منها. ظهر ذلك بشكل متكرّر في مصر، عبر تصريحات وزيرة القوى العاملة، وأيضاً عبر تصريحات وزير الشباب الذي يرى في نفسه وزيراً للاقتصاد والاستثمار والصناعة ومسؤولاً عن إحصاءات ومؤشرات البطالة والعمل والنشاط الاقتصادي. إذ يخرج بين الحين والآخر بتصريحات اقتصادية، كان آخرها إنكار معدلات البطالة، بل راح يحصي لعمّال المقاهي مقدار البقشيش الذي يجنونه يومياً! هكذا يفكر رجال السلطة إذن، لكن التاريخ والواقع يثبتان أن سياسات النظم الحاكمة هي الأزمة الحقيقية، ولأن أكثرية الشعب أدركت ذلك فقد ثارت لتكتب بيدها مستقبلها، مشيرة بأصابعها إلى المتهمين وإلى ناهبي ثروات البلاد.
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
المساهمون