الشباب و"دولهم".. أية علاقة؟

الشباب و"دولهم".. أية علاقة؟

04 يونيو 2015
الشباب و"دولهم".. أية علاقة؟
+ الخط -

تقف في مقدمة أولويات والتزامات أجهزة الدولة، المفترضة، تحصين ما يتعلق بالواقع التنموي وتوفير اللازم والواجب له، كما التعاطي مع أزمات البطالة والتقليص من حدتها على طريق حصرها في الحدود الدنيا، إن لم يكن إنهاءها، وتحسين التعليم وتجويد الصحة ورفع مستوى الخدمات المقدمة، كل هذا مأمول ومطلوب من الدولة وأجهزتها، قبل وبعد صيانة كرامة الإنسان وصون هويته وتراثه، لكن هل هو مطروح ضمن أجندة دولنا؟!

وإذا كان تراجع الدولة الوطنية في أكثر من قطر عربي هو السمة الغالبة اليوم، كما في اليمن والعراق مثلا، لصالح البنى ما قبل الدولتية، مثل الطائفة والقبيلة وما يتفرع عنهما من مليشيات وحوامل قوى لاشرعية، فإن هذا لا يعني بالضرورة انتفاء الدور المأمول من الدولة أو إعفاءها منه، على الرغم من أن هذا الواقع يتيح المجال واسعا أمام تدخل المجتمع المدني، حيثما وجد وكيفما استطاع، إلا أن هذا أيضا ليس بالشَّرطي أو الحتمي.


ففي ظل تغول المليشيات على الدولة في بعض من الحال العربي، وخفوت حضور الجيش مؤسسة وطنية لصالح السمة الزبائنية الاستثمارية التي أسبغت على هذه المؤسسة في حالات أخرى، وتعميم حالة الخفوت هذه على ما يتبقى من مؤسسات الدولة وأجهزتها، المفترض أنها قائمة على خدمة مواطنيها ولأجلهم، وعجز المجتمع المدني ومنظماته عن الاضطلاع بما هو منتظر منها في حالة رشاقة الدولة كما في خفوتها، فإن المساحة والدور الأساسي الذي يفترض أن التعويل قائم عليه يكونان برسم الشباب الفاعل، من نشطاء ومثقفين وأكاديمين وأصحاب مهارات في قطاعات شتى، كي يقوموا بالدور الإسنادي للمجتمع ولأنفسهم، فالتاريخ لا يستوعب الفراغ، ولا مكان في حياة المجتمعات للفراغ أيضا.

لكن، هل يتاح حتى هذا للشباب؟

يمكن الإجابة بحسم عن الدور المتاح للشباب في أوطاننا العربية، والمشهد لا يحتمل التأويل، بين من يمطرهم قضاء الدولة يوميا بأحكام إعدام وسنوات سجن طويلة، ومن أبقي على حياتهم قيد وقف التنفيذ في منافيهم، ومن حرقتهم أو كادت نيران وشظايا الصراع المتشح بلبوس طائفية، يبقى الشباب العربي بين كثير مما هو مطلوب منه من جهة، وبين شحيح مما هو متوفر ليرتكز عليه في أداء ما هو منتظر منه.

وهنا ينبغي التوقف لدى إكراهات انخراط الشباب في الأدوار المتعلقة بالمجتمع المدني والدولة، فبالإضافة إلى القمع والحروب والتفتيت العرقي والطائفي الذي يعانيه الشباب العربي في أكثر من بقعة، يأتي عقم العمل النخبوي وشيخوخة توجهه لكي تزيد الطين بللاً، ولكي تعمق من تهميش الشباب وفعاليته، هذا دون إغفال ما لطغيان هاجس الوصاية النخبوية الأبوية على الشباب في الأحزاب السياسية وأوساط المجتمع المدني، إضافة إلى الثقل الإيديولوجي الذي يغلب على التشاحن بين الدولة والأحزاب والمجتمع المدني وحالة الاستقطاب بين هذه الأطراف وفي داخلها، كل هذا من شأنه أن يعيدنا إلى التساؤل عن علاقة الشباب بدولهم في منطقتنا العربية، لكي نخلص إلى أن ما يتوفر من معطيات عربيا لا تشي بأي حال بأن هناك إمكانية في ظل ما هو قائم حاليا لنفخ الروح في علاقة طبيعية يكون الشباب فيها فاعلين سياسيا ومدنيا وعينهم على الدولة وأدائها في حقهم وحق مجتمعهم.

والمعضلة ذاتها تتكرر في أغلب الدول العربية، فلا يفعل التهميش إلا أن يزيد تراكم القهر والأحقاد والانحرافات، وما أنموذج التطرف وغرق بعض من الشباب في الطائفية والإرهاب، إلا رد فعل، أشبه ما يكون بحتمي، على الفشل في أخذ المأمول من مساحة في وسط علاقة المجتمع والدولة.

راسلونا على: Jeel@alaraby.co.uk

المساهمون