السينما بعد كورونا: العالم كصالة عرض

السينما بعد كورونا: العالم كصالة عرض

محمد هاشم عبد السلام

avata
محمد هاشم عبد السلام
07 مايو 2020
+ الخط -
حتّى هذه اللحظة، لا أحد يمكنه التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، على كافة الأصعدة، بسبب كورونا. لا يزال العالم يتخبّط في حسابات الخسائر الراهنة وحصر التكلفة، والتكهّن بحجمها، ومدى تأثيرها في المستقبل القريب. لذا، يصعب تخمين ما ستكون عليه الأحوال، ولو بعد أسابيع قليلة. الأمر ينطبق طبعاً على صناعة ضخمة كصناعة السينما، تُضخّ فيها مليارات الدولارات الأميركية سنوياً.
في الأعوام الأخيرة، ازدادت المخاوف بخصوص تراجع الإنتاج السينمائي، وبالتالي الإيرادات، مقارنة بالماضي، وذلك لأسبابٍ عدّة. أوضاع صناعة السينما في ظلّ كورونا وبعده يمكن وصفها بالكارثية على كافة المستويات، وفي أنحاء العالم. تلك الأوضاع سيكون لها، بلا شك، أبلغ الأثر على "صناعة السينما" في العالم العربي، رغم الحيّز الضئيل الذي تشغله في حجم الصناعة العالمية إجمالاً.
الأوضاع الحالية والتأثيرات المستقبلية لـ كورونا، تضع الجميع أمام أسئلة لا نهاية لها. لكنْ، لا إجابات شافية، ولا يقينية أو حتّى شبه يقينية. كلّ ما يُمكن القيام به، محاولة قراءة المعطيات، المتجدّدة يومياً، وبناءً عليها التكهّن أو تخمين ما سيكون عليه مستقبل السينما قريباً.
بدايةً، يصعب تخيّل شكل المعالجات الدرامية، التي سيطرحها المبدعون في أعمالهم. لكنّ المؤكّد أنّ الغالبية ستحاول مواكبة الأحداث، وتناول جوانبها المختلفة، لفترةٍ غير قصيرة، ما من شأنه الغرق في أعمالٍ عدّة سيغلب عليها السرعة، أو عدم الدقّة، أو الرداءة غالباً، ولن يصمد منها فنياً سوى القليل.
تلك الأعمال وغيرها ستواجهها عقبات كبيرة، أغلبها متعلّق بإمكانية التنفيذ أو عدمه، وحجم الميزانيات المرصودة، وطبعاً أساليب العرض والتوزيع، في ظلّ خشية بالغة من مغامرة دخول السريع في إنتاجات لا تحقّق مكاسب مادية تغطي تكاليف الإنتاج، على الأقلّ. مع التنبّه إلى أنّ عودة الجمهور إلى دور العرض السينمائية، كما في السابق، لا تزال موضع شكوك كبيرة، ومحاطة بغموض بالغ.

لا يقتصر الأمر على مخاوف الاختلاط، بل يمتدّ إلى الآثار الناجمة من العزلة المنزلية، واعتياد الناس عليها، وتغيّر العادات مع ازدياد نسبة المُشاهدات المنزلية عبر منصّات ومواقع مختلفة. للجانب الاقتصادي اعتبار كبير، ففي حال استمرّت العزلة المنزلية والإغلاق التجاري طويلاً، ستفقد غالبية الناس موارد رزق ثابتة، وربما يحدث كساد كبير لأعوام، ما يدفع الناس إلى الادّخار، وتجنّب كلّ إنفاق غير ضروري، كالذهاب الأسبوعي إلى دور العرض.
رغم قتامة الصورة، نجحت محاولات شركات مالكة لدور عرض في الهواء الطلق في إرجاع الجمهور إلى الصالات، التي اختفى منها تقريباً لأسبابٍ متباينة. في النرويج وليتوانيا وألمانيا، بيعت آلاف التذاكر إلكترونياً لـ"سينما الهواء الطلق"، مع الحفاظ على شروط السلامة الصحية، كأنْ تكون السيارة مغلقة لا مكشوفة، وضرورة وجود شخصين فيها فقط، وعدم توزيع الطعام والشراب. فهل سيكون هذا الحلّ المؤقّت بداية عودة تدريجية إلى هذا النوع من دور العرض، لجذب مزيد من المشاهدين؟ وهل ستكون تلك الدور بديلاً عن صالات العرض العادية؟
الأمر معقّد للغاية، فهو غير مقتصر على إعادة فتح دور العرض العادية، مع الحفاظ على مساحات آمنة بين المُشاهدين فيها، والسماح لأعدادٍ قليلة بالدخول إليها للمُشاهدة، أو الاعتماد مجدداً على دور عرض الـ"درايف إنْ". الأمر مرتبط بصناعة السينما نفسها، أي الإنتاج، إنْ بالنسبة إلى مشاريع مستقبلية، أو تنفيذ أعمالٍ متّفق عليها، أو إكمال العمل على تلك التي توقّفت أثناء الإنتاج أو ما بعد الإنتاج. إلى الآن، أعلنت بعض الشركات العالمية عن إعادة النظر في مشاريع كثيرة. بعض آخر أرجأ استكمال وتوزيع الأعمال إلى العام المقبل، فلا أحد يستطيع تخمين آلية توزيع وتنفيذ تلك الأعمال، والحجم الذي ستكون عليه ميزانياتها، ومدى إمكانية العودة إلى التصوير الخارجي مجدّداً أو الاستغناء عنه والبقاء داخل الاستوديوهات في الأشهر المقبلة، مع الاستعانة ببرامج الكمبيوتر. مثلاً، تأجّل تصوير أحدث أفلام الصيني وانغ كار ـ وي، بعنوان "أزهار"، إلى أجل غير مسمّى، ولم يُحدّد مكان تصويره أيضاً، بعد استحالة ذلك في شنغهاي.
الإيجابي في الأمر أنّ التأجيل كان في مصلحة شركات عدّة لم توزّع أفلامها بعد، مقارنة بتلك التي تمّ توزيعها فعلاّ، فأُصيبت بخسائر فادحة. مبدعون كثيرون تفرّغوا تماماً لإعادة النظر في مشاريعهم المستقبلية، أو تلك التي كانوا بصدد تنفيذها. الصيني جيا زانكي أعلن أن الحظر دفعه إلى إعادة كتابة أحدث أعماله، الذي كان مقرراً بدء تصويره في إبريل/ نيسان 2020، قبل تأجيله إلى الربيع المقبل. كذلك، أتاحت منصّات عدّة مُشاهدة الأفلام بسرعات مختلفة وجودة متباينة، مقابل بدل مادي بسيط، وأحياناً مجاناً. هذا سمح لأعمالٍ حديثة وأخرى منسية بمشاهدتها أو إعادة مُشاهدتها. كما أتيح التعريف بأعمالٍ مجهولة لمخرجين معروفين، وتقديم جدد لم يُسمع بهم قبلاً، أو لم تكن أعمالهم متاحة سابقاً، أو اقتصرت عروضها على مهرجانات دولية.

هذا يثير تكهّنات كثيرة بشأن المهرجانات الدولية، ومدى تأثّرها المستقبلي بـ كورونا، إلى حدّ التساؤل عن جدواها، ليس على مستوى الصناعة وأسواق بيع الإنتاجات السينمائية وترويجها وتوزيعها ودعمها فقط، بل في ما يتعلق بالعروض، والتعريف بالجديد، واكتشاف أسماء، والحصول على اعتراف، والتتويج بالجوائز. فالمهرجانات الكبرى بوّابة أولى للترشيح لجوائز عالمية، كـ "أوسكار" و"سيزار". فما الذي سيحدث في هذا الصدد؟ وما هو مصير تلك الجوائز: هل ستلغى أم ستؤجّل؟
الضرر الناجم عن تأجيل مهرجانات إلى مواعيد لاحقة، وبعضها إلى العام المقبل، لا يقتصر على عروض الأفلام، ومنها ما هو خاضعٌ لشرط "العرض الحصري" بسبب التمويل مثلاً. هذه الأفلام ستُشاهد لاحقاً، في الصالات أو عبر وسائط أخرى. فبعض المهرجانات نظّم دوراته عبر عرض حصري على شبكة الإنترنت داخل دولة المهرجان، على أنْ يُعرض لاحقاً عبر وسائط مختلفة. لكن المهرجانات ليست فقط لعرض الأفلام أمام جمهور يشتري بطاقات دخول لمُشاهدتها، أو لصحافيين ونقّاد وعاملين في الصناعة، فالعروض مُمكنة عبر الإنترنت كبديل مؤقّت. المسألة أعقد. فرغم أنّ المهرجانات لقاء سنويّ لعشاق السينما، تُعتبر ايضاً أرضاً خصبة للمشاريع، وتلقّي منح إنتاج أو ما بعد الإنتاج، وعمليات بيع وتوزيع، وعقد صفقات، وتبادل خبرات، وتعارف، ولقاء نجوم، وإجراء حوارات، والسياحة.
إنّها أيضاً "مورد رزق" لآلاف الصحافيين والنقّاد والمصوّرين الفوتوغرافيين والعاملين في الإعلام المسموع والمرئي. هؤلاء تضرّروا كثيراً، خصوصاً أولئك الذين يعملون بالمقالة، أو كهواة. فأعمالهم مشلولة بسبب توقّف تغطيتهم المهرجانات والأفلام. وفي حال طالت الأزمة، ربما تتوقّف مطبوعات كثيرة عن العمل. وهذا ينسحب أيضاً على العاملين في تنظيم المهرجانات والتظاهرات السينمائية، وإدارتها وبرمجتها، إذْ بات مستقبلهم المهني على المحك. مهرجانات أخرى، لا سيما تلك المُقامة في المنطقة العربية، تواجه موقفاً عصيباً للغاية، خصوصاً تلك المعتِمَدة على ما تختاره من أفلامٍ، وبعض الأفلام فائز بجوائز مهرجانات دولية. مع تأجيل المهرجانات الكبرى، سيتعذّر على تلك المهرجانات الحصول على أفلامٍ، إنْ أُقيمت دوراتها أصلاً.
خلال 100 عام ماضية، لم تتأثر صناعة السينما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم الحروب وغيرها في أكثر من مكان، على النحو الذي تأثّرت وتتأثّر به الآن، بسبب "كورونا". ففي ظلّ ما يُشبه الصناعة، القائمة على أسس مزعزعة ازدادت هشاشتها في الأعوام الفائتة، يصعب تصوّر مدى كارثية الوضع لاحقاً: ضعف الإنتاج مستقبلاً، لعدم توفّر ميزانيات كافية، أو إفلاس شركات، أو إغلاق دور عرض فترات طويلة، لضعف الإنتاج المحلي او غيابه، أو لتعذّر توزيع إنتاجات دولية أو تأجيله، وهذا محرّك أساسي لتلك الدور.
إلى ذلك، سيعاني مبدعون كثيرون، خصوصاً المستقلّين منهم، بسبب صعوبة الحصول على إنتاج مشترك من صناديق تمويل مؤسّسات ومهرجانات غربية وعربية، فستُقلَّص ميزانياتها، أو تحتفظ بالأموال داخل حدود دولها لدعم مبدعيها. كما سيفقد مبدعو المنطقة منصّات كانت ولا تزال بالغة الحيوية في التعريف بهم، ولفت الأنظار إلى أعمالهم، دولياً في الأساس.

الصورة في المنطقة العربية قاتمة للغاية. على مستويات عدّة، وإنْ بنسبٍ مختلفة، هناك دول ومؤسّسات وصناديق تمويل واتحادات ونقابات في الغرب ستدعم العاملين في الصناعة، بدءاً من الصحافيين وانتهاء بالعاملين في بيع تذاكر الدخول إلى دور العرض. منصّات كبرى وشركات إنتاج مختلفة دعمت هؤلاء فعلاً، ولا تزال تحرص على وجودهم في الكيان الصناعي الكبير. لكن المنطقة العربية تفتقر أساساً لكياناتٍ قوية تجمع العاملين في الصناعة، صحافة ومجاميع سينمائية (كومبارس)، ما يطرح سؤال غياب البدائل.
هل يكون لفيروس كورونا دورٌ في إنشاء اتحادات ونقابات، أو تفعيل الموجود منها وتقوية حضوره، لدعم أهل الصناعة العربية إزاء مخاطر مستقبلية ربما تحدث لاحقاً؟

ذات صلة

الصورة

منوعات

كما كان متوقعاً فاز "إفريثينغ إفريوير أول آت وانس" بجائزة أوسكار أفضل فيلم، وباقي الجوائز الرئيسية في حفل توزيع الجوائز الأشهر في عالم السينما لعام 2023، الأحد.
الصورة
Hospital doha

رياضة

كشف الدكتور يوسف المسلماني المتحدث الرسمي باسم قطاع الرعاية الصحية لبطولة كأس العالم 2022 في قطر، بالمؤتمر الصحافي، الذي عقدته اللجنة العليا للمشاريع والإرث، الخميس، في العاصمة الدوحة، عن عدد من الشروط التي يجب على الجماهير الرياضية معرفتها.

الصورة
يحفز فيتامين سي إنتاج خلايا الدم البيضاء (Getty)

منوعات

تُلحق الإصابة بفيروس كورونا أضراراً عديدة في جسم الإنسان، يمكن التعافي والتخلص منها تدريجياً. ولكي تقوم المناعة بمهمتها على أكمل وجه، هناك عدة مواد غذائية مساعدة
الصورة
ما هي أمنيات الأردنيين للعام 2022؟

مجتمع

تتركّز أمنيات الأردنيين، في العام الجديد 2022، على زوال فيروس كورونا والانتهاء من الجائحة ومتحوراتها، كما دعوات لعودة الحياة إلى طبيعتها وتحسّن الأوضاع المعيشية والقدرات الشرائية، ودوران عجلة العمل.

المساهمون